تمويل تعليق إصلاح التقاعد من جيوب المتقاعدين سابقة خطيرة

تصاعدت حدة الجدل في فرنسا بعد أن أعلنت الحكومة عن خطتها الجديدة لتمويل تعليق إصلاح نظام التقاعد.
أمر أثار غضب النقابات العمالية الكبرى، وفي مقدمتها “كونفيدرالية العمل الفرنسية” التي اعتبرت أن الدولة تحمل المتقاعدين ثمن قراراتها السياسية. وترى أن هذا التوجه يعكس مأزق الحكومة في إدارة التوازن المالي دون المساس بالقدرة الشرائية للفئات الهشة.
من جانبه، قال برونو بالييه، الباحث الاقتصادي الفرنسي في المركز الوطني للبحث العلمي ومعهد الدراسات السياسية في باريس، المتخصص في إصلاح أنظمة التقاعد والحماية الاجتماعية في فرنسا وأوروبا لـ”العين الإخبارية” الحكومة الفرنسية تجد نفسها أمام معادلة صعبة، فهي تريد الحفاظ على التوازن المالي لصناديق التقاعد دون المساس بالإنفاق العام.
وأوضح أن الحل الذي اختارته يعد خطأً سياسياً واقتصادياً في آنٍ واحد، لأنه يرسل إشارة سلبية للمتقاعدين ويضعف ثقة المواطنين في استقرار النظام الاجتماعي الفرنسي.
وأضاف أن “اللجوء إلى تمويل تعليق الإصلاح من جيوب المتقاعدين يشكل سابقة خطيرة، لأنه يجعل الفئات الأضعف تتحمل عبء قرارات الدولة بدلاً من توزيع التكلفة بعدالة بين جميع المساهمين في النظام الاقتصادي”.
وأشار بالييه إلى أن الحكومة الفرنسية “تواجه اليوم تحدياً مزدوجاً يتمثل في تراجع الثقة الشعبية وارتفاع الضغوط المالية على صناديق التقاعد، خصوصاً مع تباطؤ النمو الاقتصادي وتزايد عدد كبار السن”.
وأكد أن “الإصلاح الحقيقي لا يمكن أن يقوم على إجراءات قصيرة المدى أو تحميل الفئات الضعيفة كلفة الأزمة، بل على مراجعة شاملة لنظام التمويل القائم، تشمل إعادة توزيع عادل للضرائب وتعزيز مشاركة الشركات الكبرى في تمويل نظام الحماية الاجتماعية”.
وشدد الباحث الفرنسي على أن “العدالة الاجتماعية يجب أن تكون محور أي إصلاح جديد، لأن تجاهل البعد الإنساني في إدارة الأزمات الاقتصادية هو ما يغذي الانقسام داخل المجتمع الفرنسي ويضعف النموذج الاجتماعي الذي طالما تميزت به فرنسا”.
ومن “الانتصار” إلى “خيبة الأمل” هكذا وصفت النقابات الفرنسية الكبرى “كونفيدرالية العمل الفرنسية” قرار الحكومة بشأن آلية تمويل تعليق إصلاح التقاعد، معتبرة أن المشروع الجديد “غير عادل” لأنه يضع العبء المالي على عاتق المتقاعدين وشركات التأمين الصحي، بحسب صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية.
وقال إيفان ريكوردو، نائب الأمين العام لنقابة “كونفيدرالية العمل الفرنسية من غير المقبول أن يؤدي فك ارتباط المعاشات بمعدل التضخم إلى حرمان المتقاعدين فعلياً من زيادتين سنويتين في الدخل خلال عامي 2026 و2027، فالفئات الأكثر ضعفاً لن تتحمل مثل هذه الإجراءات”.
وكانت النقابة قد وصفت في 14 أكتوبر قرار الحكومة بتعليق إصلاح التقاعد الذي أُقر عام 2023 بأنه “انتصار حقيقي للعاملين والعاملات”.
غير أن الخطاب الرسمي تغير بعد أن كشفت الحكومة في اجتماع مجلس الوزراء عن الرسالة التوضيحية التي تحدد مصادر تمويل القرار، وتشمل رفع مساهمة مؤسسات التأمين التكميلي (المتعاقدين مع نظام الضمان الصحي) من 2.05% إلى 2.25% عام 2026.
كما ستفرض على المتقاعدين مساهمة إضافية من خلال خفض ربط معاشاتهم بمعدل التضخم بمقدار نصف نقطة مئوية إضافية عام 2027، أي أنهم سيخسرون جزءاً من زياداتهم السنوية.
أغلى الخيارات تُفرض على الأضعف
من جهته، صرح دونيس غرافويل، الأمين العام المساعد في نقابة اتحاد النقابات العمالية في فرنسا، قائلاً: “نحن أمام عامين أبيضين للمتقاعدين في 2026 و2027، أي تجميد فعلي للمعاشات. كما أن زيادة مساهمة شركات التأمين ستُترجم في النهاية بارتفاع كلفة الاشتراكات التي يدفعها العمال والمتقاعدون”.
وأضاف غرافويل أن “المتقاعدين يتحملون بالفعل كلفة التأمين الصحي الأعلى لأنهم أكثر حاجة إلى الرعاية، ومع كل زيادة جديدة في المساهمات ترتفع أسعار الخدمات الصحية التكاملية بشكل متسارع”.
وتابع: “نحمل المتقاعدين الحاليين والمستقبليين ثمن تعليق مؤقت للإصلاح، بينما كل ما تحقق فعلاً هو تأجيل بسيط يمنح جيلاً واحداً ربع عام إضافي فقط قبل العودة إلى نفس النظام”.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز