تونس تبحث عن حلول لأزمة التلوث الناجم من المصنع الكيميائي (خاص)

بدأت السلطات التونسية البحث عن حلول لتفكيك المصنع الكيميائي بمحافظة قابس، تحد من التلوث البيئي الذي يعاني منه السكان وتحافظ في الوقت نفسه على آلاف فرص العمل التي يوفرها هذا المصنع.
أعلنت وزارة التجهيز والإسكان التونسية عن بدء مشاورات رسمية مع الصين بشأن مشروع شامل لإعادة تأهيل وحدات إنتاج المجمع الكيميائي في محافظة قابس، بهدف معالجة الانبعاثات الملوِّثة والقضاء على أسبابها، ووضع خطة مستدامة للحد من التلوث البيئي الذي تعاني منه المنطقة منذ عقود.
احتجاجات قابس
تزامن الإعلان مع احتجاجات متواصلة منذ أسابيع ينفذها سكان محافظة قابس، للمطالبة بتفكيك الوحدات الصناعية التابعة للمجمع الكيميائي ووقف نشاطها فوراً، بسبب تكرار حالات الاختناق بين الأهالي نتيجة انبعاث الغازات الملوثة، إضافة إلى تضرر الحياة البرية والبحرية جراء سكب ملايين الأطنان من الفوسفوجيبس في البحر.
تحذيرات من تفاقم التلوث
يؤكد مراقبون أن قرار إعادة التأهيل يجب أن يستند إلى تقييم بيئي شامل، يتم بالتشاور مع مكونات المجتمع المدني في الجهة، مع ضرورة اتخاذ إجراءات صحية عاجلة لحماية السكان.
ويشير الخبراء إلى أن إنتاج الأسمدة في المجمع يفرز غازات شديدة السمية مثل ثاني أكسيد الكبريت والأمونيا، فيما يلوث الجبس الفوسفوري التربة والمياه الجوفية بمواد مسرطنة على غرار الرصاص والزرنيخ.
المجمع الكيميائي والعبء البيئي
يرى خبير الطاقة التونسي سليم المصمودي أن المجمع الكيميائي يمثل ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني من خلال صادرات الفوسفات ومشتقاته التي توفر عملة صعبة للبلاد، إضافة إلى مساهمته في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأمونيا الحيوية للقطاع الزراعي.
وأوضح أن وحدات المجمع توفر أكثر من 4000 فرصة عمل، مما يجعل قرار تفكيكها أو تعليق نشاطها معقداً نظراً لارتباطها الوثيق بقطاعات إنتاجية حيوية وبعقود تصدير قائمة.
وأكد المصمودي أن الحكومة تبحث حالياً عن حلول فنية متكاملة لإعادة تأهيل الوحدات الصناعية عبر التعاون مع شركاء دوليين، وفي مقدمتهم الصين، لمعالجة التلوث وتحديث منظومات الإنتاج.
وأشار إلى أن عملية التأهيل البيئي ستكون مكلفة مالياً، لكنها تمثل خياراً ضرورياً للتحول نحو تقنيات أقل تلويثاً وأكثر توافقاً مع المعايير البيئية العالمية.
تثمين النفايات الصناعية
وشدد الخبير على أهمية اعتماد مقاربة بيئية وطنية تركز على معالجة الانبعاثات والالتزام بالمعايير القانونية، إلى جانب إعداد خطة شاملة لمعالجة نفايات الفوسفوجيبس وتثمينها.
واعتبر أن خيار نقل الوحدات الصناعية بعيداً عن المناطق السكنية قد يبدو جيداً نظرياً، لكنه صعب التنفيذ عملياً بسبب الكلفة والتعقيدات التقنية والإدارية.
كلفة التأهيل وتحديات التمويل
من جانبه، أكد الخبير البيئي التونسي عادل بن سليمان أن إعادة تأهيل المجمع الكيميائي تتطلب تمويلات ضخمة تقدر بنحو 8 مليارات دينار تونسي (2.7 مليار دولار)، مشدداً على أن الدولة مطالَبة بتحمل مسؤوليتها في تطوير بدائل نظيفة تراعي الإنسان والمحيط.
وأوضح أن المجمع يسكب نحو 6 ملايين طن من الفوسفوجيبس سنوياً في البحر، في مخالفة واضحة للاتفاقيات والمعاهدات البيئية المحلية والدولية.
دعوات لوضع خطة زمنية للإصلاح
بدوره، صرّح خير الدين ديبة، المتحدث باسم حملة “أوقفوا التلوث”، أن مطالب المحتجين تتركز في إلغاء القرارات الحكومية الأخيرة المتعلقة بمضاعفة الإنتاج الفوسفاتي وإنشاء وحدة للأمونيا الخضراء وصناعات الهيدروجين الموجّه للتصدير.
ودعا ديبة إلى إعداد برنامج وطني متكامل لإعادة تأهيل المناطق المتضررة من التلوث الصناعي في قابس، بما يشمل الواحة والشواطئ والبيئة البحرية، مع وضع رزنامة زمنية واضحة لتنفيذ خارطة طريق تنهي التلوث نهائياً.
كما طالب بإطلاق حوار مجتمعي شامل لوضع نموذج تنموي بديل يحترم البيئة ويضمن استدامة التنمية في المحافظة.
تاريخ المجمع ودوره في صناعة الأسمدة
تأسس المصنع الكيميائي في قابس عام 1972، وهو إحدى وحدات المجمع الكيميائي التونسي الحكومي المختص بتحويل الفوسفات إلى حمض فسفوري.
وبين عامي 1979 و1985، تم إنشاء وحدتين لإنتاج سماد الفوسفات ثنائي الأمونيوم، كما أُنشئ في 1983 مصنع لإنتاج نترات الأمونيوم.
ويقوم المجمع حالياً بمعالجة الفوسفات المستخرج من مناجم محافظة قفصة المجاورة، لتصنيع الأسمدة والمنتجات الكيميائية الموجهة للسوقين المحلي والعالمي.
تراجع الثروة البحرية
ويشكو سكان قابس منذ سنوات من تدهور بيئتهم الساحلية بسبب تصريف النفايات الغازية والصلبة في الطبيعة، مما أدى إلى انخفاض حاد في الثروة السمكية وتراجع أنشطة الصيد التي كانت تشكل مصدر رزق رئيسي للعائلات المحلية.
وتؤكد الجمعيات البيئية أن الوضع البحري في المنطقة يزداد سوءاً، مع تقلص مخزونات الأسماك خلال العقد الأخير، محذّرة من فقدان التنوع البيولوجي البحري في حال استمرار الانبعاثات الحالية.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز