اسعار واسواق

ماكرون وورقة البرلمان.. ضغط استباقي أم خيار اضطراري؟


سواء كان حل البرلمان بالنسبة لإيمانويل ماكرون أداة ضغط استباقية أو خيارا اضطراريا، يظل الثابت هو التحول الجوهري في فلسفة الحكم بفرنسا.

ويعتبر خبراء سياسيون أن إعلان الرئيس الفرنسي عن إمكانية حل الجمعية الوطنية يمثّل تحولًا غير مسبوق في تاريخ الجمهورية الخامسة، إذ لم يسبق لأي رئيس أن استخدم هذا السلاح الدستوري بهذه الصراحة والوضوح.

ويعتقد الخبراء أن ماكرون يسعى من خلال هذا التلويح إلى إعادة ضبط المشهد السياسي وفرض الانضباط البرلماني، في وقت تتزايد فيه الخلافات داخل الغالبية النيابية واحتمالات الشلل التشريعي.

وبحسب محللين في باريس، فإن ماكرون، الذي استخدم هذا الحق فعليًا عام 2024 بعد هزيمته بالانتخابات الأوروبية، يبدو اليوم مستعدًا لاستخدام الحلّ كأداة ضغط استباقية وليس كخيار اضطراري، في ما يعتبره كثيرون تحوّلًا جوهريًا في فلسفة الحكم الرئاسي الفرنسي.

وأمس الخميس، تجاوزت الحكومة الفرنسية، بإفلاتها من مذكرتين لحجب الثقة عنها، عقبة أولى قبل بدء ما يُتوقع أن يكون نقاشا برلمانيا محتدما حول ميزانيتها الأسبوع المقبل.

وفشلت مذكرتان لحجب الثقة قدّمهما حزبا اليسار الراديكالي (فرنسا الأبية) وأقصى اليمين (التجمع الوطني) بهدف إسقاط الحكومة التي شُكلت الأحد، في حشد الأصوات المطلوبة (289 صوتا).

ومع تجاوز هذا المطب، يبدو مسار الحكومة في الأسابيع المقبلة ميسرا أكثر، لكن لم يتلاشَ نهائيا شبح عدم الاستقرار الذي يخيّم على فرنسا منذ يونيو/ حزيران 2024 إثر حل ماكرون للجمعية الوطنية التي تنقسم مذاك إلى ثلاث كتل (يسار ويمين الوسط وأقصى اليمين) من دون أغلبية واضحة.

«أداة استراتيجية»

في تعقيبه على التطورات، يرى دومينيك رينيه، أستاذ العلوم السياسة الفرنسي بمعهد الدراسات السياسية في باريس، أن ماكرون “بات يتعامل مع المشهد السياسي بدرجة غير مسبوقة من الانكشاف والجرأة”.

ويوضح رينيه، في حديث لـ”العين الإخبارية”، أنه “حين يعلن الرئيس عن خيار الحلّ علنًا، فإنه لا يتحدث عن احتمالٍ نظري أو احتياطي، بل يستخدمه كورقة ضغط استراتيجية على الكتل البرلمانية المترددة، إنها دعوة صريحة للانصياع والانضباط، لا مجرد تلميح دستوري”.

وأضاف الباحث الفرنسي أن هذا الخطاب قد يؤدي إلى تقوية التحالفات المؤقتة داخل معسكر الوسط، إذ ستفضل الأحزاب المعتدلة الاستقرار السياسي على خوض انتخابات مبكرة محفوفة بالمخاطر.

ورغم أنها ليست المرة الأولي التي يحل فيها ماكرون البرلمان إذ قام بحله في 2024، إلا أن الفرق يكمن، وفق الخبير، “في النية: المرة الأولى كانت ارتجالاً، وهذه المرة هي تهديد مؤسسي رسمي”.

وبالنسبة له، فإنه “عندما يدرج رئيس الجمهورية فكرة الحل في الخطاب الحكومي نفسه، فنحن أمام تحول في الفلسفة السياسية للرئاسة”، موضحا أنه “لم يعد الحلّ أزمة، بل أداة استراتيجية داخل اللعبة السياسية”.

ويعتقد رينيه أن حل البرلمان في عام 2024 جاء بعد هزيمة انتخابية لصالح حزب “التجمع الوطني” بعدما خسر الحزب الحاكم “النهضة” مقاعد الأغلبية في البرلمان وكان دفاعيًا لإعادة ترتيب الأوراق.

وأضاف : “أما هذه المرة، فإن تلويح ماكرون بحل البرلمان يعد خطوة هجومية مدروسة للضغط على البرلمان قبل أي أزمة”.

ولفت إلى “الطابع التاريخي للخطوة حيث إنها المرة الأولى منذ قيام الجمهورية الخامسة (1958) التي يعلن فيها رئيس أنه مستعد لاستخدام “سلاح الحل” كجزء من استراتيجيته السياسية اليومية وليس كخيار طارئ.

«مرحلة جديدة”

من جانبه، يقول باسكال بيرينو، أستاذ العلوم السياسية في معهد البحوث السياسية، إن خطوة ماكرون تشكّل “خروجًا عن البراغماتية السياسية التقليدية” التي ميّزت أسلافه في الإليزيه.

ويضيف  لـ”العين الإخبارية”، أنه “لم يسبق لرئيس في الجمهورية الخامسة أن وضع خيار الحلّ على الطاولة بهذا الشكل العلني والمؤسسي. إننا أمام استخدام جديد للقوة الدستورية، يعبّر عن قناعة لدى ماكرون بأن إعادة صناديق الاقتراع إلى الشعب قد تكون الحل إذا تعطّلت الأغلبية”.

وحذر بيرينو من أن البرلمان الفرنسي يقف الآن على مفترق طرق حاسم: فإما الانضباط خلف الحكومة من أجل تجنب أزمة، أو المخاطرة بانهيار المجلس والدخول في انتخابات قد تغيّر موازين القوى جذريًا.

ووفقا للباحث السياسي الفرنسي، فإن ماكرون  يختبر -على ما يبدو- حدود الدستور، ويعيد تعريف العلاقة بين الإليزيه والجمعية الوطنية.

فالتهديد بـ”حلّ البرلمان”، لم يعد مجرد أداة نظرية، بل بات وسيلة ضغط سياسية رسمية، تكشف عن مرحلة جديدة من التوتر المؤسسي في الجمهورية الخامسة، حيث تتداخل السلطة التنفيذية والتشريعية على نحو لم تشهده فرنسا، وفق بيرينو.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى