اسعار واسواق

سباق التسلح ينتقل إلى الفضاء.. أوروبا ترفع راية «الردع من الأعلى»


تتحرك أوروبا بخطوات متسارعة نحو بناء درع فضائي دفاعي يهدف إلى حماية الأقمار الصناعية العسكرية وأقمار الاتصالات من أي هجمات محتملة من روسيا أو الصين، في خطوة غير مسبوقة تعكس إدراك القارة العجوز لخطورة الصراع التكنولوجي والعسكري في الفضاء.

ويأتي هذا المشروع، الذي يُنتظر إطلاقه العام المقبل، كرد مباشر على تقارير استخباراتية حذّرت من قيام روسيا بتعقب أقمار صناعية تابعة لبريطانيا وألمانيا، إلى جانب تطوير الصين قدرات متقدمة في مجال الحرب الفضائية، يُعتقد أنها تفوق نظيراتها الغربية من حيث الدقة والفاعلية.

تندرج المبادرة ضمن خريطة الطريق الدفاعية الأوروبية حتى عام 2030، التي تهدف إلى إعداد حلف شمال الأطلسي (الناتو) لمواجهة حروب المستقبل، وفقا لصحيفة التايمز.

وتحدد الوثيقة أربع أولويات رئيسية هي: التصدي للطائرات المسيّرة، وتعزيز الدفاعات الجوية لأوروبا، وتطوير القدرات الدفاعية الفضائية، وحماية الجناح الشرقي لأوروبا.

وأكدت الوثيقة أن الحفاظ على السلام في القارة لن يتحقق إلا من خلال سياسة ردع فعّالة، مشيرة إلى أن التطور التكنولوجي السريع أصبح العامل الحاسم في تحديد موازين القوة.

وأضافت أن الدول التي تطوّر تقنياتها الدفاعية داخلياً ستكون “الأكثر قوة واستقلالية”، خصوصاً في المجالات الحساسة مثل أنظمة الطائرات المسيّرة والأقمار الصناعية والمركبات ذاتية التشغيل.

وتزامن الإعلان عن المشروع مع تحذيرات صريحة من اللواء بول تيدمان، قائد قيادة الفضاء في الجيش البريطاني، الذي كشف أن القوات الروسية تتعقب الأقمار الصناعية البريطانية وتحاول تعطيل عملياتها العسكرية.

كما صدرت تحذيرات مماثلة من ألمانيا الشهر الماضي بشأن محاولات روسية لاختراق أنظمة الاتصالات العسكرية.

وفي مواجهة هذه التهديدات، يعمل الناتو وحلفاؤه الأوروبيون على تطوير تكنولوجيا متقدمة للتموضع والملاحة تتيح تنفيذ ضربات دقيقة وتتبع القوات وعمليات البحث والإنقاذ، إضافة إلى بناء أنظمة إنذار مبكر قادرة على رصد الصواريخ ومتابعتها من الفضاء بدقة متناهية.

كما تعتبر الوثيقة أوكرانيا خط الدفاع الأول عن القارة، مشددة على أن العملية العسكرية الروسية بلغ مستويات غير مسبوقة من الوحشية والعنف، وأن ما تسميه “الحرب الهجينة” – من هجمات سيبرانية وانتهاكات للمجال الجوي – باتت تشكل تحدياً يومياً للأمن الأوروبي.

لكن هذا التوجه الدفاعي لم يخلُ من التوترات داخل المعسكر الغربي، إذ ظهرت خلافات في الأسابيع الأخيرة بين الاتحاد الأوروبي ومخططي الناتو العسكريين، الذين اتهموا المفوضية الأوروبية بالتدخل في مجالات التخطيط والعمليات العسكرية الخاصة بالحلف.

وأبدت بعض العواصم الأوروبية قلقها من أن يؤدي إنشاء هيكل دفاعي موازي تابع للاتحاد إلى ازدواجية قد تربك عملية صنع القرار داخل الناتو. وقال أحد الدبلوماسيين الأوروبيين إن “آخر ما نحتاجه هو أن يُستغل الخطر الأمني لأغراض سياسية داخل الاتحاد، فهذا لن يسهم في تعزيز أمن الأوروبيين، بل سيزيد من تعقيد المشهد الاستراتيجي”.

وفي محاولة لتخفيف هذه التوترات، عقد الأمين العام للناتو مارك روته سلسلة اجتماعات مع وزراء دفاع الاتحاد الأوروبي خلال الأسابيع الستة الماضية، انتهت إلى تفاهم يقضي بتوزيع الأدوار بين الطرفين، بحيث يحتفظ الناتو بالقيادة العسكرية والعملياتية، بينما يتولى الاتحاد الأوروبي تنظيم الصناعة والتوريد والتمويل الدفاعي لضمان تحقيق الأهداف المشتركة.

قمر صناعي في المدار

وقال روته عقب اجتماعه الأخير بوزراء الدفاع الأوروبيين: “نحن نعمل بتناغم تام، وهناك تنسيق وثيق بين الجانبين، والنتائج تسير في الاتجاه الصحيح”.

وفي سياق متصل، أعلنت ألمانيا وفرنسا توقيع اتفاق لإطلاق نظام إنذار مبكر جديد يعتمد على الأقمار الصناعية تحت اسم “عين أودين” (Odin’s Eye)، يهدف إلى تعزيز قدرات القارة في رصد الصواريخ المعادية لحظة إطلاقها، ما يتيح المجال لاعتراضها في الوقت المناسب.

بهذه الخطوات، يبدو أن أوروبا تسعى إلى بناء استقلال استراتيجي حقيقي عن المظلة الدفاعية الأمريكية، مع إدراك متزايد بأن مستقبل الصراعات لن يُحسم فقط في البر أو البحر أو الجو، بل في الفضاء أيضاً. فالمعارك المقبلة، كما يرى خبراء الدفاع الأوروبيون، قد تبدأ في المدار قبل أن تندلع على الأرض، وهو ما يجعل “الدرع الفضائي الأوروبي” عنوان مرحلة جديدة من سباق التسلح في القرن الحادي والعشرين.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى