اخبار الامارات

الذهب والفضة يعيدان رسم ملامح النظام المالي العالمي ‹ جريدة الوطن

 

 

قال الخبير في أسواق المعادن النفيسة أحمد عنيزان إن الذهب والفضة يعيشان مرحلة مفصلية من التحوّل في النظام المالي العالمي، حيث لم يعودا مجرد ملاذين آمنين، بل أصبحا مؤشرين على إعادة هيكلة الثقة في العملات العالمية واتجاهات القوة الاقتصادية بين الشرق والغرب.

وأوضح عنيزان أن التاريخ المالي يقدم شواهد متكرّرة على كيفية تفاعل الأصول الثمينة مع الأزمات الاقتصادية، لكن السياق الحالي يختلف جذريًا عن أي دورة سابقة.

من فقاعة الفضة إلى تصحيح الذهب: دروس الماضي

يرى عنيزان أن تجربتي الذهب في عام 2011 والفضة في عام 1980 تمثلان محطات فارقة في الوعي الاستثماري الحديث.
ففي عام 2011، ارتفع الذهب إلى ذروته التاريخية عند 1920 دولارًا للأونصة نتيجة مخاوف من انهيار العملات الورقية وتوسع سياسات التيسير الكمي، قبل أن يفقد نحو 40% من قيمته بعد بدء الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي دورة رفع الفائدة وتحسن أداء الدولار بين 2013 و2015.

أما الفضة، فكانت مثالاً صارخًا على فقاعة المضاربة المالية عندما حاولت عائلة “هانت” الأمريكية عام 1980 السيطرة على أكثر من 108 ملايين أونصة — أي ما يعادل نصف المعروض العالمي آنذاك — ما أدى إلى ارتفاع الأسعار إلى نحو 50 دولارًا قبل أن تتدخل الجهات التنظيمية وتوقف التداول بالهامش، لتنهار السوق في ما عُرف لاحقًا بـ“الخميس الفضي”.

ويشير عنيزان إلى أن هذه الحوادث التاريخية تُظهر هشاشة الأسواق عندما تقودها المضاربات الفردية والسيولة الرخيصة، لكنها اليوم تشهد تحولًا جذريًا في طبيعة القوى المؤثرة فيها.

التحوّل المؤسسي: البنوك المركزية تمسك بزمام السوق

بحسب عنيزان، فإن العقد الحالي يشهد انتقال القيادة من المستثمرين الأفراد إلى البنوك المركزية والمؤسسات السيادية، خصوصًا في آسيا والشرق الأوسط، التي تتجه إلى تعزيز احتياطاتها من الذهب المادي كجزء من استراتيجيات تنويع الأصول وتقليص الاعتماد على الدولار الأمريكي.

في المقابل، يشهد الطلب على الفضة نموًا متسارعًا في القطاعات الصناعية والتكنولوجية، ولا سيما في مجالات الطاقة الشمسية والمركبات الكهربائية، ما يجعلها تلعب دورًا مزدوجًا بين الاستثمار والصناعة، ويمنحها أهمية استراتيجية في التحول نحو الاقتصاد الأخضر.

الذهب والفضة كأدوات سيادة نقدية

يؤكد عنيزان أن العلاقة التقليدية بين المعادن الثمينة ومؤشرات الفائدة أو التضخم لم تعد كافية لتفسير تحركات الأسعار.
فاليوم، تتأثر الأسواق بعوامل جيوسياسية واستراتيجية أعمق، تعكس رغبة الدول في إعادة تعريف مفهوم “الاحتياطي الآمن” ضمن نظام نقدي عالمي متعدد الأقطاب.

ويضيف أن هذا التحول يعكس تراجع الثقة في المنظومة النقدية التقليدية، وازدياد توجه الاقتصادات الكبرى إلى الأصول الحقيقية القابلة للحيازة — مثل الذهب والفضة — باعتبارها وسيلة لحماية السيادة المالية والاستقلال الاقتصادي.

نظام مالي جديد يتشكل

يرى عنيزان أن الأسواق لم تعد رهينة للمضاربة قصيرة الأجل كما كانت في الماضي، لأن بنية السوق تغيرت؛ فالمستثمرون الأفراد تراجع تأثيرهم أمام القوى المؤسسية، بينما أصبحت الرؤى الاستثمارية تركز على إدارة المخاطر بعيدة المدى.

ويخلص عنيزان إلى أن ما يجري اليوم في أسواق الذهب والفضة ليس فقاعة جديدة ولا تصحيحًا تقنيًا مؤقتًا، بل هو جزء من إعادة تموضع كبرى للنظام المالي العالمي في ظل تصاعد التنافس بين العملات والكتل الاقتصادية الكبرى.

ويختم بالقول:

“في عالمٍ تتزايد فيه الديون وتتبدّل فيه قواعد اللعبة النقدية، سيبقى الذهب والفضة المؤشرين الأكثر صدقًا على اتجاه الثقة في النظام المالي العالمي — لا كملاذات تقليدية فحسب، بل كأعمدة ترتكز عليها خريطة النفوذ المالي الجديد.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى