«جيل زد» من الأنديز إلى الهيمالايا..أصوات «بلا قيادة» تحت راية «الجمجمة»

من جبال الأنديز إلى جبال الهيمالايا، تنطلق موجة جديدة من الاحتجاجات، يقودها شباب يعبرون عن مواقفهم تجاه الواقع السياسي والاجتماعي
في مدغشقر، اضطر الرئيس أندري راجولين إلى التنحي ومغادرة البلاد بعد “انقلاب عسكري”، جاء بعد أسابيع من مظاهرات قادها شبان يطلقون على أنفسهم اسم “جيل زد مدغشقر”، احتجاجا على انقطاع المياه والكهرباء، قبل أن يتحول الأمر إلى حراك معارض للسلطة.
وأصبحت مدغشقر بذلك أحدث مستعمرة فرنسية سابقة يتولى فيها الجيش السلطة منذ عام 2020، بعد انقلابات في مالي وبوركينا فاسو والنيجر والغابون وغينيا.
هذه الهبّة التي شهدتها الجزيرة الهندية تشبه احتجاجات أخرى حديثة في دول مثل نيبال والفلبين وإندونيسيا وكينيا وبيرو والمغرب.
وتشترك هذه الاحتجاجات في أمر واحد: معظمها بلا قيادة، وتتألف في المقام الأول من شباب يطلقون على أنفسهم اسم “الجيل زد”، أي أولئك الذين وُلدوا تقريبا بين عامي 1996 و2010 – أول جيل نشأ بالكامل في عصر الإنترنت.
يقول سام نادل، مدير مختبر التغيير الاجتماعي، وهي منظمة غير ربحية مقرها بريطانيا وتجري أبحاثا حول الاحتجاجات والحركات الاجتماعية لوكالة أسيوشتد برس: “ما يربط هذه الاحتجاجات التي يقودها الشباب هو شعور مشترك وهو عدم الاستجابة لمخاوف جيلهم، سواء كان ذلك الفساد أو تغير المناخ أو التفاوت الاقتصادي. ويصبح الاحتجاج حينها المنفذ المنطقي عندما تشعر المؤسسات بانسداد قنواتها”.
تعددت الأماكن والمطالب واحدة
على الرغم من اختلاف المطالب في كل بلد، إلا أن معظم هذه الاحتجاجات انطلقت بسبب تجاوزات أو إهمال حكومي.
في المغرب، خرجت مجموعة بلا قائد تُدعى “الجيل زد 212” – تيمنا برمز الاتصال المغربي – إلى الشوارع للمطالبة بتحسين الخدمات العامة وزيادة الإنفاق على الصحة والتعليم.
وأمام هذه المظاهرات، دعا العامل المغربي الملك محمد السادس، في خطاب أمام البرلمان، إلى تسريع الإصلاحات الرامية إلى توفير فرص عمل للشباب وتحسين الخدمات العامة وإيلاء اهتمام أكبر للمناطق الريفية.
في بيرو، اتسع نطاق الاحتجاجات على قانون التقاعد لتشمل مطالب أوسع، بما في ذلك اتخاذ إجراءات لمعالجة ما يعتبرونه “تفاقم انعدام الأمن والفساد المستشري في الحكومة”.
في إندونيسيا، اندلعت احتجاجات دامية بسبب امتيازات المشرعين وتكلفة المعيشة، مما أجبر الرئيس على استبدال وزراء الاقتصاد والأمن الرئيسيين.
كانت الحركة الأكثر شهرة التي أُطلق عليها اسم احتجاجات “الجيل زد” هي الاحتجاجات الدموية في نيبال التي بلغت ذروتها باستقالة رئيس الوزراء في سبتمبر/أيلول الماضي.
استلهم المتظاهرون من الحركات الناجحة المناهضة للحكومة في أماكن أخرى في جنوب آسيا – سريلانكا عام 2022 وبنغلاديش عام 2024 – والتي أدت إلى الإطاحة بالأنظمة القائمة.
في مدغشقر، يقول المتظاهرون إنهم استلهموا بشكل خاص من حركات نيبال، وسريلانكا عام 2022.
بدأت المظاهرات في مدغشقر احتجاجا على انقطاع المياه والكهرباء المتكرر، لكنها سرعان ما تحولت إلى استياء أوسع نطاقا، حيث دعا المتظاهرون الرئيس والوزراء الآخرين إلى التنحي.
وأمس الأربعاء، أعلن قائد الانقلاب العسكري في مدغشقر أنه “سيتولى منصب الرئيس”.
ويعيش 80 بالمئة على الأقل من سكان مدغشقر البالغ عددهم 32 مليون نسمة بأقل من 15 ألف أرياري يوميا (3,25 دولارات)، أي تحت خط الفقر الذي يحدده البنك الدولي.
ما قصة العلم الأسود؟
في بلدان متعددة، برز رمز ثقافي موحد عبارة عن علم أسود يُظهر جمجمة وعظمتين متقاطعتين مبتسمتين ترتدي قبعة من القش.
يعود هذا العلم إلى سلسلة المانغا والأنمي اليابانية الشهيرة “ون بيس”، والتي تتبع مجموعة من القراصنة في مواجهتهم مع ما يعتبرونه “فساد” الحكومات.
في نيبال، علّق المتظاهرون العلم نفسه على أبواب سينغا دوربار، مقر الحكومة النيبالية، وعلى الوزارات، التي تم حرق العديد منها في الاحتجاجات. كما رفعته حشود في إندونيسيا والفلبين والمغرب ومدغشقر.
الأسبوع الماضي، وفي العاصمة البيروفية ليما، وقف الكهربائي ديفيد تافور، البالغ من العمر 27 عاما، رافعا العلم نفسه في ساحة سان مارتن، التي تعتبر الآن مسرحا للاحتجاجات الأسبوعية.
وقال تافور: “في حالتي، الأمر يتعلق بالغضب من إساءة استخدام السلطة والفساد والوفيات”، في إشارة إلى الارتفاع الحاد في جرائم القتل والابتزاز التي ابتليت بها الدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية منذ عام 2017، وسط قوانين جديدة أضعفت جهود مكافحة الجريمة.
التعبئة الرقمية
تعد منصات التواصل الاجتماعي أدوات قوية في التعبئة الحديثة، حيث يستخدم الشباب هذه الوسائل للتواصل، ونشر المعلومات، وتنظيم الفعاليات.
قبل بدء الاحتجاجات في نيبال، حاولت الحكومة فرض حظر على معظم وسائل التواصل الاجتماعي، لكن الشباب لجأوا إلى الشبكات الافتراضية الخاصة لتجاوز الحجب.
من خلال “تيك توك” و”إنستغرام” و“إكس”، أبرز المتظاهرون نمط حياة أبناء السياسيين، مشيرين إلى الفجوة بين الأغنياء والفقراء، ونشروا دعوات للاحتجاجات.
يقول يوجان راجبانداري، أحد المحتجين في نيبال، إن الاحتجاجات جعلت الشباب يدركون أنهم مواطنون عالميون، وأن الفضاء الرقمي يوحدهم ويمثل قوة مؤثرة حول العالم.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA=
جزيرة ام اند امز