«وداعا لقرضي العقاري».. صرخة الفرنسيين في وجه فوضى السياسة والاقتصاد

يعيش الفرنسيون، حالة إحباط جماعي غير مسبوقة منذ عقود، مع تفاقم الأزمة السياسية والاقتصادية في البلاد، وتوالي استقالات الحكومات. ففي شوارع باريس وليون ومرسيليا، تتردد عبارة واحدة على ألسنة كثير من الفرنسيين: “وداعاً لقرضي العقاري”.
وقالت صحيفة “لوفيجارو” الفرنسية إن “تراجع فرص العمل، وتجميد التوظيف، وغياب رؤية اقتصادية واضحة” جعلت الطبقة العاملة والمتوسطة تفقد الثقة في المستقبل، وتؤجل مشاريعها، بل وتفكر في الهجرة.
ونقلت الصحيفة شهادات تعكس حال الشارع الفرنسي؛ إذ قال رايان، البالغ من العمر 23 عاماً ويعمل متدرباً في مجال الإعلام، بلهجة متعبة: “لم أعد أشعر بالصدمة.. لقد اعتدت الأمر. لم يعد لدي أي أمل”.
كلماته، كما تقول الصحيفة، تلخص المزاج العام في فرنسا بعد الاستقالة المفاجئة لرئيس الوزراء سيباستيان لوكورنو في 6 أكتوبر/تشرين الأول. أما يانيس، 35 عاماً، وهو مستقل في قطاع الاتصالات، فيتساءل بمرارة: “كيف سأوقّع عقوداً جديدة؟ حكومة جديدة تعني مناخاً جديداً تماماً للاستثمار والعمل.”
منذ عام 2022، تعاقب على فرنسا خمسة رؤساء حكومات، في مشهد غير مسبوق في الجمهورية الخامسة. هذه الفوضى السياسية، الممزوجة بظروف اقتصادية خانقة، أرهقت معنويات الفرنسيين ودَفعتهم إلى الادخار بدل الإنفاق، فيما الشركات تجمّد التوظيف وتقلّص استثماراتها.
وبحسب بيانات مؤسسة العمل الفرنسية (France Travail)، انخفضت نوايا التوظيف لعام 2025 بنسبة 12.5% مقارنة بـ2024، بينما تشير أرقام Apec إلى أن 8% فقط من الشركات تخطط لتوظيف كوادر جديدة.
رايان، الحاصل على ماجستير في الصحافة، أرسل أكثر من ألف سيرة ذاتية منذ فبراير الماضي دون جدوى. يقول: “لا أحد يرد على طلبي، وإن فعلوا يقولون إن التوظيف مجمّد.”
يعمل اليوم 40 ساعة أسبوعياً في وظائف استقبال مؤقتة مقابل 1500 يورو شهرياً فقط، ويضيف بمرارة: “قاتلت خمس سنوات من أجل مستقبلي، والآن أشعر أن السياسيين خذلونا. ماكرون قال يوماً إن علينا فقط عبور الشارع للعثور على عمل… لكن عليه أن يرى بنفسه كيف أصبحت فرنسا.”
الشاب يفكر اليوم في الهجرة إلى الخارج، كما يفعل آلاف الشباب الذين ضاقوا ذرعاً بما يسمونه “شللاً سياسياً” و”اقتصاداً بلا أفق”.
من جانبه، قال جان-بابتيست إيشار، الشريك المؤسس لشركة “ستاف مي” التي توظف 80 عاملاً، إن الفوضى السياسية تنعكس مباشرة على الاقتصاد، موضحاً: “لكي تنمو شركتك، تحتاج إلى ثقة واستقرار ورؤية زمنية واضحة، لكننا اليوم نفتقد كل ذلك.”
تعمل شركته على ربط المستقلين بالشركات، لكنها تواجه صعوبات متزايدة بسبب تغيّر القوانين باستمرار، خصوصاً المتعلقة بنظام العمل الحر، فضلاً عن تأخر المساعدات الحكومية للشركات الصغيرة.
ويشير إلى أن الإفلاسات ارتفعت بأكثر من 14% منذ بداية العام مقارنة بعام 2024، وفق بيانات إنفوجريف (Infogreffe).
أما يانيس، الاستشاري في مجال التواصل، فيقول إن عام 2025 هو الأصعب منذ 12 عاماً من العمل الحر: “عملائي باتوا يفضلون العقود القصيرة. تراجعت مداخيلي بنسبة 40% مقارنة بالعام الماضي.”
وللتأقلم، أصبح يعمل في التعليم ويقدّم برامج إذاعية، لكن على حساب صحته النفسية. وقال “مررت بمرحلة اكتئاب.. لم أعد أملك الطاقة الكافية لأعيد اختراع نفسي كل مرة. المناخ العام مرهق للغاية.”
ويختتم يانيس حديثه بغضب: “القوانين لا تتقدّم، والقرارات تتعطل، والملفات علينا تقديمها مراراً. كيف يمكننا أن نخطط ونحن نصطدم بجدار سياسي؟”
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز