اسعار واسواق

«الرهان الأسوأ».. كيف تحولت العولمة من وعد بالرخاء إلى مصدر للانقسام وعدم المساواة؟


كشف كتاب جديد كيف تحوّل مشروع العولمة، الذي بُشّر به كطريق نحو الازدهار والسلام بعد الحرب الباردة، إلى مصدر لانقسام المجتمعات وتفاقم التفاوتات الاقتصادية حول العالم.

أشار تقرير نشرته مجلة فورين بوليسي إلى كتاب جديد بعنوان «الرهان الأسوأ: كيف خاب رهان العولمة وما الذي يمكن أن يصلحه»، حاول فيه الصحفي الاقتصادي المخضرم ديفيد ج. لينش تفكيك التحول الدراماتيكي الذي أصاب المشروع العالمي الأكبر بعد الحرب الباردة، حين انقلب من وعدٍ بالنمو والازدهار والسلام إلى أحد أبرز أسباب تفكك المجتمعات، واستقطاب السياسة، واتساع فجوة عدم المساواة.

الكتاب، الصادر عن دار PublicAffairs في سبتمبر 2025، يمتد على 416 صفحة تتتبع أكثر من ثلاثة عقود من الأحداث الاقتصادية والسياسية التي شكّلت مسار العولمة؛ من صعود الصين وانضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، مرورًا بأزمة 2008 المالية، وصولًا إلى الجائحة والحروب الحديثة، وتعطل سلاسل الإمداد، والتحولات الجذرية في السياسات الأمريكية.

في تسعينيات القرن الماضي، بدا أن العولمة “رهان رابح للجميع”، لكنها تحولت – كما يرى لينش – إلى رهان خاسر لشرائح واسعة، خاصة الطبقة العاملة الأمريكية التي تلقت الضربة الأقسى مع انتقال الوظائف إلى الخارج.

فبينما ربحت الشركات متعددة الجنسيات من خفض التكاليف وزيادة الكفاءة، كان الثمن تآكل التوازن الاجتماعي والاقتصادي المحلي.

ويشير الكاتب إلى أن ما كان يُعدّ في الماضي “هرطقة اقتصادية” – كالمخاوف من تدمير الوظائف المحلية أو تحوّل التجارة إلى لعبة صفرية بين الدول – أصبح اليوم حقيقة سياسية يتبنّاها الحزبان الرئيسيان في واشنطن.

فلم يعد هناك فارق جوهري في التوجه الاقتصادي بين جو بايدن ودونالد ترامب؛ فكلاهما بات ينظر بعين الريبة إلى التجارة الحرة، وإن اختلفت دوافعه.

ويمتاز الكتاب بسردٍ ثريٍّ ومشحونٍ بالتفاصيل، ينتقل فيه لينش بين محطات وشخصيات مفصلية: من بيل كلينتون الذي فتح الباب أمام الصين، إلى احتجاجات سياتل المناهضة للعولمة، وصولًا إلى صعود ترامب وتحول بايدن من مؤيد للتجارة إلى مدافع عن الطبقة العاملة.

إلا أن غزارة التفاصيل قد تُرهق القارئ أحيانًا، إذ يتنقل الكاتب بسرعة بين الرؤساء والعمال والنشطاء والمستثمرين، مما يصعّب تتبع خيطٍ سردي موحّد. رغم ذلك، تبقى القصص الصغيرة – عن عمال فقدوا وظائفهم أو مسؤولين ندموا على قراراتهم – من أقوى عناصر الكتاب وأكثرها تأثيرًا.

ورغم نبرته النقدية، لا يعلن لينش نهاية العولمة، بل يرى أننا نعيش مرحلة “إعادة ضبط”. فالعالم، برأيه، لن يعود إلى العولمة المنفلتة بين 1989 و2008، ولن يتجه كذلك إلى العزلة الاقتصادية.

بل ستحدد الدول والشركات، قطاعًا بقطاع ومنتجًا بمنتج، متى تكون الشراكة مجدية ومتى تُصبح الاستقلالية الاقتصادية أولوية.

ويؤكد الكاتب أن الاعتبارات الأمنية والقومية – من سياسات بايدن لحماية التكنولوجيا الأمريكية إلى رسوم ترامب الجمركية – باتت تتقدم على منطق الكفاءة الاقتصادية.

لكن التحدي الحقيقي، كما يطرح لينش، هو من سيدفع الثمن؟

لماذا لم تُوزّع مكاسب العولمة بعدالة؟ ولماذا فشلت الدول المتقدمة، خصوصًا الولايات المتحدة، في تعويض المتضررين أو بناء شبكات دعم فعّالة؟

يخلص لينش إلى أن العولمة لم تفشل كفكرة، بل فشلت إرادة السياسة التي تجاهلت توزيع فوائدها. ويحذّر من أن التحديات المقبلة – مثل الذكاء الاصطناعي والتحول نحو الاقتصاد الأخضر – ستكون أشد وقعًا من العولمة نفسها، في ظل شبكة أمان اجتماعي أمريكية غير مهيّأة لما هو قادم.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA=

جزيرة ام اند امز

NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى