حرب الذكاء والسلطة.. أوكرانيا وروسيا في سباق الآلة والديمقراطية

لم تعد حرب أوكرانيا مجرد مواجهة بين جيشين، بل تحولت إلى مختبر مفتوح تتقاطع فيه رقائق السليكون مع رائحة البارود؛ فعلى الجبهة تُدار المعارك من خلف الشاشات، وتتحرك المسيرات في سباق تكنولوجي محموم بين موسكو وكييف.
خلف هذا الصخب، تخوض كييف معركة أخرى لا تقل ضراوة: معركة بقاء الديمقراطية تحت نيران الحرب، إذ بينما تبهر العالم بابتكاراتها القتالية، تصارع داخليا لمنع تآكل نموذجها السياسي بفعل التعب والفساد ومخاوف الانقسام.
وتقول صحيفة «نيويورك تايمز»، إن روسيا وأوكرانيا تنخرطان في منافستين منفصلتين خارج ساحة المعركة: سباق نحو الابتكار التكنولوجي الذي يعيد تعريف مستقبل الحرب، وسباق التحمل للحفاظ على الاستقرار السياسي في الداخل.
سباق تكنولوجي
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن المدفعية والصواريخ والدبابات وحرب الخنادق سيطرت على السنوات الأولى من الحرب، لكن الأمر لم يعد كذلك، فالآن، تقوم الطائرات بدون طيار بمعظم عمليات القتل .
هذه ليست طائرات بريداتور وريبر الكبيرة باهظة الثمن التي استخدمتها الولايات المتحدة، إنها مسيرات رخيصة بحجم قارب، تقول الصحيفة الأمريكية، مشيرة إلى أن كلا الجانبين يسارعان إلى إنتاجها بشكل أسرع وأرخص، مما يجعلها أكثر فتكًا.
وقد منحتها القوة الصناعية الروسية مؤخرًا أفضلية: فقد أطلقت أكثر من 34,000 طائرة مسيّرة إلى أوكرانيا هذا العام، أي ما يقرب من تسعة أضعاف عددها قبل عام.
ولا يقتصر الأمر على الطائرات المسيرة فحسب، ففي مصنع مهجور يُعرف باسم «أكاديمية كيلهاوس»، يتعلم المجندون الأوكرانيون قيادة المركبات البرية المسيرة التي تنقل الإمدادات وتُجلي الجرحى، وهي مهام أصبحت بالغة الخطورة على البشر. وفي البحر الأسود، أبقت الطائرات المسيرة التي تشبه الزوارق السريعة والطوربيدات الأسطول الروسي في مأمن.
هذه هي اقتصاديات الحرب الجديدة: طائرات بدون طيار تُقدر بمئات أو آلاف الدولارات يجب إسقاطها بصواريخ تُكلف الملايين لحماية الدبابات والسفن التي تكلف أكثر، مما يُغير شكل الصراع.
وبينما السباق محتدم لتحسين دفاعات الطائرات المسيرة والتغلب عليها، يمكن التغلب على التشويش الإلكتروني بشكل أفضل بواسطة طائرات مسيرة متصلة ببكرات من أسلاك الألياف الضوئية.
وبينما يتدفق رأس المال الاستثماري على الشركات الناشئة في أوكرانيا، حصلت موسكو على مساعدة من إيران والصين، بحسب «نيويورك تايمز».
السياسة في زمن الحرب
في الخلفية، تخوض أوكرانيا حربا من نوع آخر؛ ففي يوليو/تموز الماضي، امتلأت شوارع كييف بالحشود احتجاجًا على محاولة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إضعاف هيئات مكافحة الفساد المستقلة في البلاد. لكنه تراجع سريعًا. ولا يزال الناس قلقين.
وتخضع أوكرانيا للأحكام العرفية منذ ما يقرب من أربع سنوات؛ ولولا ذلك، لكان زيلينسكي قد واجه انتخابات العام الماضي. مع ذلك، يتفق منافسوه الرئيسيون على ضرورة امتناع البلاد عن إجراء انتخابات مثيرة للانقسام والاضطراب في ظل استمرار الحرب، مما جعل الديمقراطية في أوكرانيا – التي سفك المتظاهرون دماءهم للحفاظ عليها قبل عقد من الزمن – في وضع هش.
وتفاقمت المخاوف المستمرة بشأن الفساد بسبب مخاوف من سرقة أموال الحرب، ورغم أن الأوكرانيين وضعوا خلافاتهم جانبًا عندما بدأت الحرب، بدأ هذا الشعور بالوحدة يتضاءل، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وقال أحد المشرعين إن محاولة زيلينسكي إضعاف أجهزة مكافحة الفساد جعلت أوكرانيا أكثر عرضة للجهود الروسية لزرع الفوضى السياسية – وهو طريق مختصر لكسب الحرب.
في المقابل، يبدو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكثر أمانًا، لكن بعد عامين من العملية العسكرية، يبدو أن الحرب باتت ترهق النظام الروسي.
واختتمت الصحيفة تقريرها، قائلة إن قدرة روسيا على مواصلة هذا الإنفاق والتغلب على جهود أوكرانيا للحفاظ على الوحدة في زمن الحرب تشكل منافسة بين الأنظمة السياسية التي نراقبها عن كثب كما نراقب الحرب نفسها.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA=
جزيرة ام اند امز