اسعار واسواق

سلام السودان رهن تفكيك تحالف السلطة والمال الإخواني


يعتقد سياسيون ومسؤولون سابقون في السودان أن العقود التي أقام خلالها تنظيم الإخوان تحالفا وثيقا بين السلطة والمال، عقّد إمكانية التوصل إلى حل في البلاد، معتبرين أن الطريق لإنهاء الحرب يبدأ من تقويض قدرات تنظيم الإخوان في التأثير في المشهد السياسي.

ويعيش البلد العربي الإفريقي منذ عام 2023 أزمةً عميقةً بعد تفجّر الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع، قبل الموعد المحدد لتسليم القيادة المدنية للسلطة، ما عرقل إمكانية التحول الديمقراطي في البلاد.

وأطاحت الثورة السودانية عام 2019 بحكم عمر البشير، الذي اعتمد على شبكة تنظيم الإخوان وأرسى رئاسته على تحالف الأيديولوجيا والمال.

ويرى عدد من الفاعلين السياسيين في السودان أن التجربة أثبتت الحاجة إلى محاصرة التنظيم الإخواني، وتحميله مسؤولية زعزعة الاستقرار، وتخريب كل المبادرات الدولية والإقليمية الرامية إلى إنهاء الحرب.

وتأتي هذه الرؤية في ضوء موقف سلطة بورتسودان ومن خلفها تنظيم الإخوان من إعلان رفض خارطة طريق لإنهاء النزاع في السودان، كانت أطلقتها دول الرباعية (الولايات المتحدة ومصر والإمارات والسعودية). واقترحت الرباعية عبرها هدنةً إنسانيةً لمدة ثلاثة أشهر تقود إلى وقف دائم لإطلاق النار، تعقبها عملية انتقالية تُستكمل خلال تسعة أشهر على أن تفضي إلى تشكيل حكومة سودانية.

وقالت دول الرباعية في بيان مشترك إنه “لا يمكن أن يُملى مستقبل السودان من قبل جماعات متطرفة عنيفة، جزء من جماعة الإخوان أو مرتبطة بها بشكل واضح، والتي أدى تأثيرها المزعزع للاستقرار إلى تأجيج العنف وعدم الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة”.

وردًا على بيان الرباعية قال ما يُسمّى بـ”التيار الإسلامي العريض” – أحد واجهات تنظيم الإخوان في السودان، بقيادة علي كرتي – إنه “يستهجن لغة بيان المجموعة الرباعية التي تنضح بالاستعلاء والتدخل السافر في شؤون السودان الداخلية ومحاولة فرض حلول خارجية”.

وسارت وزارة الخارجية في بورتسودان على ذات النهج الذي بادر به التنظيم الإخواني، معلنةً أن حكومة السودان لا تقبل أي تدخلات لا تحترم سيادة الدولة ومؤسساتها وحق الدفاع عن الشعب والأرض.

سيف العقوبات

ورأى المتحدث الرسمي باسم التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة السودانية “صمود”، بكري الجاك، أن المجتمع الدولي مطالب بوضع مزيد من الضغط على سلطة بورتسودان، وفي الوقت نفسه لم يستبعد الحاجة إلى تصنيف الحركة الإسلامية السودانية وحزبها المؤتمر الوطني – الذراع السياسي للإخوان – كـ”جماعة إرهابية”.

وأكد بكري الجاك أن رفض السلطة في بورتسودان للمقترحات التي تقدمت بها دول الرباعية كخارطة طريق لإحلال السلام في السودان، يعني تلقائيًا استمرار الحرب، وهو حتمًا سيفاقم المأساة الإنسانية، ويترتب عليه مزيد من الموت والدمار.

وطالب المتحدث باسم “صمود” المجتمع الدولي والإقليمي بضرورة التحرك العاجل لممارسة مزيد من الضغوط والعقوبات على الذين يعرقلون أي آفاق للحلول السلمية للأزمة السودانية.

وأشار إلى أن المجموعات التي تسعى لإطالة أمد الحرب واستمرارها هي ذاتها المجموعات التي ظلت تسعى دوماً لتخريب أي مبادرة دولية أو إقليمية تهدف إلى إنهاء الحرب. وأوضح أن التيار الإخواني الذي يسيطر على مراكز القرار في سلطة بورتسودان يمتلك الكثير من الأدوات الخبيثة لعرقلة المساعي الدولية والإقليمية لإنهاء الحرب.

ولفت إلى أن الخطر الأكبر هو فتح البلاد للمجموعات الإرهابية، والاستمرار في تضليل الشعب وتصوير الحرب وكأنها حرب ضد عدو خارجي، بينما هي حرب داخلية بين أطراف سودانية.

دلالات الهجوم على الرباعية

وفي ذات السياق، قال الوزير السابق بحكومة عبدالله حمدوك والقيادي بحزب المؤتمر السوداني، خالد عمر يوسف، لـ”العين الإخبارية” إن “جماعة الإخوان وتكويناتها عامل مزعزع لاستقرار البلاد والإقليم”، لافتًا إلى أن “الجماعة تحركها مصلحة استمرار هذه الحرب الإجرامية، وعليه يجب محاصرتها وإضعاف قدراتها على إبقاء البلاد رهن مشروعاتهم السلطوية البغيضة”.

واستدل خالد عمر بأن خارطة طريق الرباعية وجدت قبولًا داخليًا واسعًا، حيث رحب بها تحالف “صمود” – التحالف المدني الأوسع في البلاد – وأصدرت مكونات مدنية متنوعة بيانات تأييد لها.

وأشار إلى أن الموقف المتحفظ الوحيد جاء من سلطة بورتسودان، التي تباينت ردود أفعال مكوناتها؛ فقد حفل بيان الخارجية بترديد شعارات عن السيادة وادعاء الشرعية دون ذكر مباشر لبيان الرباعية، في حين أصدر المؤتمر الوطني المحلول على لسان رئيسه أحمد هارون، والحركة الإسلامية بقيادة علي كرتي بيانات رافضة للمبادرة.

وأضاف أن “الرباعية كانت مُحقة في تحديد الجهات التي تريد زعزعة استقرار السودان، ولهذا انبرت واجهات تنظيم الإخوان للإساءة لهذه الجهود الدولية والإقليمية وتصويرها عبر حملات دعائية منظمة وكأنها إملاءات خارجية ووصايا بحسب زعمهم”، مؤكدًا أن خارطة الطريق التي طرحتها الرباعية تعد من أهم المبادرات التي خاطبت قضية إيقاف الحرب في السودان، وتمثل بارقة أمل حقيقية للملايين الذين تضرروا بفعل استمرار هذا النزاع.

تهديد للأمن الإقليمي

من جانبه، أكد رئيس دائرة الإعلام في حزب الأمة القومي في السودان، المصباح أحمد محمد، أن المجتمع الدولي قد يجد نفسه مضطرًا لزيادة الضغوط على أطراف الحرب للاستجابة لمساعي إنهائها، مقاطعًا أنه لا سبيل لوضع حد لهذه المأساة إلا عبر طاولة التفاوض، ولن تجدي محاولات تزييف الإرادة الوطنية أو رفض المبادرات الدولية لتحقيق مكاسب ضيقة لقوى انتهازية تعمل على إطالة أمد الحرب وعرقلة الحلول.

وقال المصباح لـ”العين الإخبارية” إن موقف الخارجية السودانية يعكس تعنّت سلطة الأمر الواقع في بورتسودان ومحاولاتها المتكررة لعرقلة المبادرات، كما فعلت في السابق. وأضاف أن “وزارة الخارجية في بورتسودان دأبت على تعطيل كل مساعٍ للحل بانتهاجها سياسة الرفض المستمر، وهو ما يؤكد استمرار سيطرة عناصر حزب المؤتمر الوطني الإخواني على مفاصل الدولة، وإصرارهم على المضي في الحرب سعيًا للعودة إلى السلطة ولو كان ذلك على جماجم السودانيين”.

وشدّد على أن الحرب الدائرة في السودان لم تعد تهدد الأمن الوطني فحسب، بل باتت تهدد الأمن الإقليمي برمته وتنذر بكارثة غير مسبوقة قد تحول السودان إلى بؤرة للإرهاب ومعبر للجماعات المتطرفة وتهريب السلاح.

أقصر الطرق

نزار يوسف، الناطق الرسمي باسم الحركة الشعبية – شمال التيار الثوري الذي يرأسه ياسر عرمان، قال لـ”العين الإخبارية” إن “أقصر طريق لمواجهة محاولات تخريب المبادرات الدولية والإقليمية الساعية لإنهاء حرب السودان هو تكثيف العمل اليومي الدؤوب لوحدة قوى الثورة في جبهة مدنية واسعة ومعادية للحرب، تعمل بلا هوادة على فرض وقف لإطلاق النار لأسباب إنسانية، يعقبه التقدم نحو وقف شامل وإنهاء الحرب بأسرع ما يمكن”.

وأضاف: “كما يجب أن يكون جزء لا يتجزأ من هذه الاستراتيجية تجفيف المنابع المالية والإعلامية التي تمول وتشرعن الاعتداءات والانتهاكات ضد المدنيين، خاصة الرافضين للحرب”. ودعا “الأسرة الدولية للمضي قدمًا في خطوات سياسية وقانونية لعزل الفاعلين الأساسيين المسؤولين عن الحرب والانتهاكات، بما في ذلك إعلان الحركة الإسلامية السودانية وحزب المؤتمر الوطني كيانين إرهابيين، كإجراء يعزلها سياسيًا ويقيد إمكاناتها المعادية لثورة ديسمبر المجيدة من أجل تأمين الانتقال الديمقراطي”.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى