استراتيجيات على “رقعة الشطرنج”.. خبراء يرسمون خارطة النظام الدولي الجديد

أكد خبراء وأكاديميون أن إعادة تشكيل موازين القوى العالمية تتطلب فهما دقيقا للتحولات في النفوذ الدولي، ومرونة الدول الكبرى في التعامل مع القوى الصاعدة، ضمن نظام متعدد الأقطاب قائم على التعاون المؤسسي والمصالح المشتركة.
جاء ذلك في جلسة حوارية حملت عنوان “استراتيجيات على رقعة الشطرنج: كيف يعاد تشكيل موازين القوى في عالم جديد؟”، وذلك ضمن فعاليات النسخة الثانية من منتدى “هيلي” الدولي الذي يعقد حاليا في العاصمة الإماراتية أبوظبي ويستمر على مدار يومين.
وتناولت الجلسة محورين رئيسيين، الأول وهو تقييم وضع القوة والنفوذ الأمريكي، أما الثاني فكان تحليل صعود الصين وأثره على النظام متعدد الأقطاب، مع التركيز على دور المؤسسات الدولية والاقتصاديات الناشئة في إعادة تشكيل التوازن العالمي.
وافتتح جيسون أيزاكسون، كبير مسؤولي السياسات والشؤون السياسية في اللجنة اليهودية الأمريكية، حديثه بتأكيد استمرار الولايات المتحدة كقوة عظمى ذات تأثير عالمي.
وأشار إلى أن العوامل التي ساعدت في صيانة النظام الدولي تشمل امتلاك الولايات المتحدة قواعد متقدمة، وبناء تحالفات استراتيجية، وقدرتها على فرض القوة عند الحاجة.
وأضاف أيزاكسون أن الانسحاب الأمريكي من بعض التحالفات التقليدية يثير قلقا حقيقيا، لأنه قد يقوض المبادئ العالمية الأساسية ويضعف دور “القوة الناعمة”، وهي آلية كانت الولايات المتحدة تعتمدها لتعزيز عظمتهـا دون اللجوء إلى القوة العسكرية المباشرة.
تغير ملامح النفوذ العالمي
من جانبه، أشار الدكتور مرهف جويجاتي، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “سيرا كونسلت”، وأستاذ زائر سابق لدراسات الشرق الأوسط في الأكاديمية البحرية الأمريكية، إلى أن ملامح النفوذ العالمي تتغير، وأن السيطرة على مصادر الطاقة، وسلاسل التوريد، والمعلومات باتت مؤشرات رئيسية لتحديد مواقع القوى العالمية.
وأوضح جويجاتي أن الولايات المتحدة ما تزال تنفق على قواتها المسلحة ما يعادل مجموع إنفاق الدول السبع التالية في المؤشر نفسه، وأن اقتصادها الأكبر عالميا يمنحها جاذبية قوية، لكنها تواجه تحديات ملموسة في بعض المناطق، ما يشير إلى تراجع نفوذها المطلق رغم استمرار مكانتها الدولية.
في جانب آخر، قدم الدكتور محمد بن هويدن، عميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة الإمارات، قراءة معمقة لسياسة الصين الخارجية.
وأوضح بن هويدن أن الصين لا تسعى إلى إعادة إنتاج نموذج الهيمنة الأمريكية المبنية على بث الخوف، بل تسعى لتأكيد وجودها كلاعب أساسي في النظام الدولي، يستحق أن يعامل على قدم المساواة مع الولايات المتحدة.
وأكد أن الاستثمارات الصينية، خصوصا عبر مؤسسات مثل بنك “بريكس” وبنك التنمية الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، عززت الترابط العالمي وساعدت على خلق بيئة من التعاون البناء بين الدول الناشئة، وهو ما يرسخ موقف الصين كفاعل دولي مسؤول يسعى لتحقيق مصالح متبادلة بعيدًا عن الصراع المفتوح.
النظام متعدد الأقطاب
بدوره، أضاف الأستاذ الدكتور وانج تشن، نائب مدير معهد العلاقات الدولية بأكاديمية شنغهاي للعلوم الاجتماعية، أن التمسك بمبدأ النظام متعدد الأقطاب ليس مجرد خطاب سياسي، بل جزء من الثقافة والفلسفة والتاريخ الصيني.
وأكد تشن أن الصين تتطلع إلى عالم يقوم على التعاون العادل والمنفعة المشتركة، وليس الصراع بين القوى الكبرى.
كما أوضح أن مجموعة “بريكس” تعد أداة استراتيجية لتمكين الدول الناشئة، وتقليص الفجوات في الحوكمة الإقليمية والدولية، وهو ما يعكس التوجه الصيني لتعزيز الاستقرار العالمي من خلال آليات تعاون مؤسسية ومستدامة.
وتحت شعار “إعادة ضبط النظام العالمي: التجارة، التكنولوجيا، الحوكمة”، انطلقت صباح اليوم الإثنين، النسخة الثانية من منتدى هيلي، في العاصمة الإماراتية أبوظبي، بمشاركة دولية واسعة، وبتنظيم من مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية بالتعاون مع أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية.
ويهدف المنتدى إلى إثراء النقاشات الاستراتيجية في دولة الإمارات، وتقديم إضافات علمية وبحثية، والإسهام في تحديد ملامح البيئة العالمية في ظل التحولات السريعة والعميقة التي تعيد تشكيل المشهد العالمي خلال المرحلة الحالية.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز