اسعار واسواق

لكسب التعاطف.. شبكات المخدرات في فرنسا تطبق أسلوب «الإخوان»


تحذير من نقابي شرطي فرنسي بشأن نفوذ تجار المخدرات وسيطرتهم على أحياء مهمشة بأساليب تشبه جماعات الإسلام السياسي.

في أعقاب ليلة عنف دامية شهدتها مدينة كليرمون-فيرون الفرنسية، خرج النقابي الشرطي أكسيل روندي، المتحدث باسم نقابة الشرطة (CFTC)، بتصريحات مثيرة للجدل ومقلقة في آن واحد. فقد شبّه تجار المخدرات في فرنسا بـ”الإسلام السياسي والإخوان”، من حيث سعيهم إلى كسب قلوب السكان المحليين عبر ممارسات اجتماعية تُوهمهم بأنهم بديل للدولة.

روندي لم يكتفِ بالتحذير من العنف الآني، بل ذهب أبعد من ذلك عندما دق ناقوس الخطر من خطر “مكْسَكَة فرنسا” وتحولها إلى ما يشبه “دولة مخدرات” على غرار بعض بلدان أمريكا اللاتينية.

توسيع التقرير من زاوية نقابي شرطي

ويرى روندي أن ما يحدث ليس مجرد جرائم منظمة معزولة، بل استراتيجية ممنهجة يقوم من خلالها تجار المخدرات بتوزيع الأموال على السكان، وتقديم مساعدات مادية مباشرة للعائلات، ما يخلق علاقة ولاء وخضوع.

وأكد روندي خلال مقابلة مع إذاعة “يوروب 1” الفرنسية: “عندما تبدأ هذه المافيات بالقيام بدور اجتماعي والظهور كبديل عن مؤسسات الدولة، يصبح من السهل أن يكسبوا القبول الشعبي… وهذا بالضبط ما يفعله الإسلاميون في مناطق عدة من العالم”.

هذه المقارنة الصادمة بين مافيات المخدرات والإخوان الممثلين للإسلام السياسي في فرنسا تهدف إلى تسليط الضوء على تشابه آليات التغلغل المجتمعي: فكما تستغل الجماعات المتطرفة غياب الدولة أو ضعف حضورها في بعض الأحياء لكسب النفوذ، كذلك يفعل تجار المخدرات، ولكن عبر المال والخدمات.

وشدد النقابي الشرطي أيضًا على أن هذه الظاهرة تنذر بخطر أكبر، وهو فقدان الدولة لسلطتها الرمزية والعملية في بعض المناطق، مما يفتح المجال أمام قوى موازية تنشر العنف وتدجّن السكان في صمت مقابل “حماية” أو “مساعدات”.

وشهدت كليرمون-فيرون ليلة عنف جديدة مرتبطة غالبًا بتصفية حسابات أو صراعات على النفوذ بين شبكات المخدرات. وكانت نقابات الشرطة الفرنسية قد رفعت صوتها منذ سنوات لدق ناقوس الخطر ضد ما تصفه بـ”المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة”.

مصطلح “المكْسَكَة” الذي استخدمه روندي يشير إلى سيناريو قاتم تصبح فيه فرنسا رهينة مافيات تتشابه مع الكارتيلات المكسيكية من حيث القوة والنفوذ المجتمعي.

ومن الواضح أن المعركة لم تعد مقتصرة على المواجهة الأمنية بين الشرطة وتجار المخدرات، بل تحولت إلى معركة على كسب العقول والقلوب داخل الأحياء الشعبية. وإذا لم تُعزز الدولة حضورها الاجتماعي والاقتصادي إلى جانب الأمني، فإن خطر “تهريب المخدرات” سيزداد، مهددًا النموذج الفرنسي برمته.

استراتيجية جديدة لتجار المخدرات في فرنسا

تجار المخدرات والإسلام السياسي.. تشابه في الإستراتيجية

منذ سنوات طويلة يحذر الخبراء الأمنيون والباحثون في شؤون الإسلام السياسي من أن حركات مثل جماعة الإخوان المسلمين تعتمد على استراتيجية “التمكين الناعم”، حيث تسعى أولًا إلى كسب ودّ السكان المحليين عبر الخدمات الاجتماعية والأنشطة الخيرية والتعليمية، قبل أن تنقلهم تدريجيًا إلى دائرة الولاء الفكري والسياسي.

في فرنسا، لطالما وُجهت انتقادات لهذه الجماعات التي تحاول أن تملأ الفراغ في بعض الأحياء المهمشة حيث تضعف يد الدولة. واليوم، وفقًا لتحذيرات الشرطي النقابي أكسيل روندي، يبدو أن تجار المخدرات يستلهمون هذه الإستراتيجية نفسها، لكن مع اختلاف الوسائل: بدلاً من خطاب ديني أو نشاط خيري مؤدلج، يعتمدون على المال السريع والتوزيعات المالية والهبات العينية لكسب صمت وتعاطف السكان. النتيجة في الحالتين متشابهة: تآكل سلطة الدولة، ونشوء ولاءات بديلة تهدد التماسك الاجتماعي.

استراتيجية جديدة لتجار المخدرات في فرنسا

باحث سياسي: فرنسا تواجه خصمين في آن واحد

في هذا السياق، قال الباحث السياسي الفرنسي المتخصص في الإسلام السياسي ألكسندر دلفال لـ”العين الإخبارية” إن المقارنة بين الإسلام السياسي وشبكات المخدرات تكشف أن الخطر لا يقتصر على العنف أو الجرائم الفردية، بل على إعادة تشكيل موازين النفوذ داخل المجتمع الفرنسي.

وأضاف: “في الأحياء التي تعاني من البطالة والتهميش وغياب الخدمات العامة، يجد السكان أنفسهم أمام خيارين: إما الاستسلام لسطوة الخطاب الديني المتشدد الذي يعدهم بـ’الهوية والانتماء’، أو الانخراط في اقتصاد المخدرات الذي يعدهم بـ’المال والحماية'”.

ووفقًا للباحث السياسي الفرنسي، كلا الطريقين يقودان إلى منظومات بديلة عن الدولة، ما يجعل الشرطة في مواجهة مع خصم مزدوج: أيديولوجيا متطرفة من جهة، ومافيات إجرامية من جهة أخرى.

في هذا الإطار، يحذر النقابيون من أن تجاهل هذا التشابه قد يؤدي إلى اندماج أو تحالف غير مباشر بين هذين التيارين داخل بعض الأحياء، حيث يمكن أن يتقاطع النفوذ المالي مع الغطاء الأيديولوجي، في مشهد يذكّر بما حدث في بعض دول الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى