اخبار الامارات

اتجاهات مستقبلية    ‹ جريدة الوطن

اتجاهات مستقبلية

العمل الإنساني العالمي: تحديات تتطلب مزيدًا من التعاون الدولي

 

 

في 19 أغسطس من كل عام، يُحتفى بـ “اليوم العالمي للعمل الإنساني” الذي أنشأته الأمم المتحدة تكريمًا للعاملين في هذا المجال، وتحيّة لذكراهم، أولئك الذين فقدوا حياتهم في أداء رسالتهم النبيلة. إذ لا يمثل هذا اليوم احتفالًا رمزيًّا فقط، بل هو تذكير دوري ومستدام بأن العالم اليوم يواجه تفاقمًا في الأزمات المركبة والمعقدة من الحروب، والكوارث الطبيعية، والنزاعات المسلحة، بينما لا تزال العديد من أنظمة الدعم الإنساني عاجزة عن مواكبة السرعة المتصاعدة للحاجات.

ولعل ما يكشف حتمية المضي قدمًا نحو مزيد من التعاون الدولي في العمل الإنساني العالمي؛ هو ما كشف عنه تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يوم 16 أبريل 2025، والذي أشار إلى انخفاض حجم المساعدات الدولية من المانحين الرسميين في عام 2024 بنسبة 7.1% من حيث القيمة الحقيقية مقارنة بعام 2023، وهو أول انخفاض بعد خمس سنوات متتالية من النمو وفقًا لبيانات المنظمة، بالرغم من تنامي وتفاقم الأزمات الإنسانية عبر العالم؛ إذ بلغت المساعدات الإنمائية الرسمية، المقدمة من البلدان الأعضاء في لجنة المساعدات الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية: 212.1 مليار دولار أمريكي في عام 2024، وهو ما يمثل 0.33% من الدخل القومي لأعضاء لجنة المساعدات الإنمائية مجتمعين.

في المقابل، تقدم دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجًا للدولة المسؤولة إنسانيًّا في عالم يتراجع فيه الاهتمام بالعمل الإنساني، وهذا النموذج تجسّده فلسفة عمل لا تفرق بين أحد، بسبب العرق أو الدين أو الثقافة أو اللون، وإمكانات لوجستية قادرة على التعامل مع أصعب الأزمات وأكثر الظروف تعقيدًا، وخبرات متراكمة وضاربة في جذور هذه الدولة وثقافة شعبها. فقد تجاوزت المساعدات الإنسانية الإماراتية الرقم القياسي كأكبر المانحين في هذا المجال، ففي منتصف عام 2024، استفاد أكثر من مليار شخص من مساعدات دولة الإمارات الخارجية، بقيمة تجاوزت 368 مليار درهم. وهو الرقم الذي يعكس حجم الدور الإنساني العالمي الذي تقوم به الدولة، والتي أصبحت العنوان الأول للعمل الإنساني في العالم.

ولعل ما يميز الرؤية الإماراتية في العمل الإنساني تبنيها منظور مواجهات متعددة الأمكنة؛ من السودان والصومال والتشاد جنوبًا إلى أوكرانيا وألبانيا شمالًا ومن غزة في الشرق الأوسط إلى ميانمار في الشرق الأدنى. ففي قطاع غزة، شكلت المساعدات الإماراتية نحو 44% من إجمالي المساعدات الدولية، وتقوم حاليًّا بالدور الأهم في إغاثة الفلسطينيين الذين يواجهون المجاعة؛ عبر سلسلة من العمليات الإنسانية ممثلة في عملية الفارس الشهم3، وعملية طيور الخير، التي تقوم بإسقاط المساعدات الجوية في المناطقة التي يصعب الوصول إليها. وفي السودان بلغ إجمالي الدعم المقدم نحو 3.5 مليارات دولار خلال عشر سنوات. كما دعمت الدولة أوكرانيا بـ 4.5 مليون دولار لإنشاء مراكز للأيتام والعائلات الحاضنة، استفاد منها أكثر من 1.2 مليون شخص. وفي ميانمار، بعد الزلزال، أرسلت أكثر من 367 طنًّا من المواد الإغاثية لدعم نحو 80 ألف شخص. أما في تشاد والصومال، فامتدت يد العون بآلاف السلل الغذائية والأغطية وسط فيضانات مدمّرة، فيما لا تزال فرق العمل الفنية الإماراتية تشارك بفاعلية في إطفاء حرائق ألبانيا.

في عالم مأزوم تغرق فيه الاحتياجات الإنسانية وتتباطأ فيه المؤسسات المعنية تحت وطأة المحدودية أو غياب الإرادة، تقف دولة الإمارات كواحة ثراء إنساني، ليس فقط بما تقدّمه من موارد، بل بفلسفة تجعل من العمل الإنساني عنوانًا للرحمة، ومرتكزًا في سياسة خارجية يحترمها ويقدّرها الجميع. إنها تقدم نموذجًا فريدًا يستند في أساسه إلى إرث زايد رحمه الله، ليتعدّى بعث المساعدات إلى إعادة رسم خارطة مستقبل إنساني متوازن عالميًّا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى