الظواهر المائية القصوى.. تهديد وجودي في أفغانستان

حمل «معروف» أمتعته الضئيلة في حزم بانتظار سيارة تقله مع عائلته بعيداً من قريتهم في شمال أفغانستان، بعدما ضربها جفاف شديد جعل أرضها قاحلة لا تنتج أي محاصيل منذ سنوات.
قال رب العائلة الخمسيني “عندما يكون لديك أطفال وتكون مسؤولاً عن إعالتهم، ماذا تفعل إن بقيت في هذا الخراب؟”.
أضاف أن معظم بيوت الطين من حوله فرغت من سكانها بعدما هجر جيرانه القرية هرباً من “العطش والجوع وحياة بلا مستقبل”.
دفعت الحروب المتعاقبة الأفغان إلى النزوح على مدى أكثر من 40 عاماً، لكن السلام لم يؤمن لهم الاستقرار المنشود، إذ ما زالوا عرضة لصدمات ناجمة عن التغير المناخي، تقوض سبل عيشهم وتجعلهم يتركون منازلهم.
وتفيد المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة بأن الفيضانات والجفاف وغيرها من الكوارث البيئية الناجمة عن التغير المناخي باتت منذ انتهاء الحرب بين حركة طالبان الحاكمة الآن والقوات الدولية بقيادة الولايات المتحدة عام 2021، السبب الرئيسي للنزوح في هذا البلد.
وذكرت المنظمة في يوليو/تموز في تقييمها لمدى التأثر بمفاعيل التغير المناخي، أن حوالى 5 ملايين شخص عبر أنحاء أفغانستان كانوا متضررين مطلع 2025، فيما بلغ عدد النازحين حوالى 400 ألف.
ويعيش معظم الأفغان في بيوت من الطين ويعتمدون بشكل كبير على الزراعة وتربية المواشي، ما يجعلهم عرضة إلى حد بعيد للتغيرات البيئية.
وأضر التغير المناخي بشكل حاد بدورة المياه، ما جعل أفغانستان تعاني للمرة الرابعة خلال أربع سنوات من جفاف حاد وفيضانات مفاجئة تغمر الأراضي وتجرف المنازل وتقوض معيشة السكان.
ولفتت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة في يوليو/تموز إلى أن “فشل المحاصيل وجفاف المراعي واضمحلال مصادر المياه، كلها تدفع المجتمعات الريفية إلى حافة الهاوية”.
وأوضحت أنه “بات من الصعب على الأسر أن تزرع محاصيل غذائية وتكسب دخلا أو تبقى في الأماكن التي تعيش فيها”.
وحذّر خبراء ومسؤولون طالبان مراراً من تصاعد المخاطر المناخية مع ارتفاع درجات الحرارة واشتداد الظواهر الجوية القصوى وتغير أنماط هطول الأمطار.
ومع محدودية البنى التحتية في أفغانستان والفقر المتوطن والعزلة الدولية المفروضة على البلد، لا يبقى أمام الأفغان سوى موارد ضئيلة للتكيف والنهوض بأوضاعهم، فيما يواجهون أزمة إنسانية هي من الأسوأ في العالم، تفاقمت مع الاقتطاع الحاد في المساعدات الدولية.
ندرة المياه
عانى أهالي قرية عبدالجليل رسولي في الشمال تدهور نمط حياتهم مع تراجع محاصيلهم.
وبعدما دفع الجفاف العديدين منهم قبل عقد للمغادرة إلى باكستان وإيران، عادوا الآن بعدما أرغمهم البلدان المجاوران على غرار أربعة ملايين أفغاني منذ أواخر 2023 على الرحيل منهما، لكنهم لم يعاودوا العمل في الزراعة، بل يزاولون أشغالاً متفرقة.
قال رسولي البالغ 64 عاما لوكالة “فرانس برس” وهو يحتمي من الشمس الحارقة في البيت الوحيد في القرية الذي لا تزال تظلله أشجار مورقة “كل شي يتوقف على الماء”.
وأضاف أن “ندرة المياه تأتي على كل شيء، تدمر الزراعة والماشية، الأشجار تجف”.
ويأمل أن تجلب قناة قوش تبه القريبة مياهاً للري من نهر آمو دريا.
وتقوم الآليات حالياً بحفر الجزء الأخير من الممر المائي، لكن مسؤولين قالوا لـ”فرانس برس” إن إنجازه سيستغرق أكثر من عام.
وتعد القناة من مشاريع البنية التحتية للمياه التي باشرتها سلطات طالبان منذ سيطرتها على السلطة قبل أربع سنوات.
لكن موارد النظام الخاضع لعزلة دولية تبقى ضئيلة في وجه الأزمة المزمنة التي تفاقمت بفعل سوء إدارة المسائل البيئية والبنى التحتية والموارد على مدى 40 عاماً من النزاعات.
وقال وزير الطاقة والمياه عبد اللطيف منصور للصحافيين في يوليو/تموز معدداً مشاريع سدود وقنوات قيد الإنشاء، إن “الإجراءات التي اتخذناها حتى الآن ليست كافية” مضيفاً “هناك كثير من حالات الجفاف”.
غادر همايون أميري حين كان شاباً إلى إيران بعد أن ضرب الجفاف قطعة أرض صغيرة يملكها والده في ولاية هرات بغرب أفغانستان.
وبعد أن أُرغم على العودة في إطار حملة ترحيل اللاجئين في حزيران/يونيو، وجد نفسه في المكان الذي هجره قبل 14 عاماً، في أرض لا تنبت فيها مزروعات وبئرها تجف مياهها “يوماً بعد يوم”.
الطقس تغير
وفيما تسبب نقص المياه في يباس الأراضي في أجزاء من البلاد، فإن التغير في أنماط المتساقطات يعني أن الأمطار لم تعد نعمة بل تهديداً.
وذكرت الأمم المتحدة أن الأمطار هذه السنة كانت مبكرة وغزيرة أكثر من العادة وسط درجات حرارة أعلى من المتوسط، ما يزيد مخاطر حصول فيضانات.
ومع تزايد حرارة الغلاف الجوي، فهو يحتفظ بكمية أكبر من الماء، ما يتسبب بأمطار أكثر غزارة إلى حد تصبح مدمرة.
وقال محمد قاسم، القيادي المجتمعي في عدد من قرى ولاية ميدان وردك بوسط أفغانستان ضربتها فيضانات مفاجئة في يونيو/حزيران، إن “الطقس تغير”.
وأضاف لوكالة “فرانس برس” التي التقته في مجرى نهر جاف تكسوه الصخور وتربة متيبسة ومتشققة “عمري حوالي 54 عاماً، ولم نشهد يوما مشكلات كهذه من قبل”.
نزحت عائلة وحيد الله البالغ 18 عاماً بعد أن تضرر منزلها بشكل لا يمكن إصلاحه وغرقت مواشيها.
لجأت العائلة المؤلفة من 11 فرداً إلى خيمة مرتجلة نصبتها على مرتفع، من غير أن تكون لها أي موارد لإعادة بناء منزلها.
وقال “نخشى أن يحدث فيضان آخر، عندها لن يبقى لنا شيء ولا مكان نذهب إليه”.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA=
جزيرة ام اند امز