اسعار واسواق

ليون تقرع أجراس الخطر.. كيف سقطت «مدينة النهرين» بقبضة إخوان فرنسا؟


تتواصل ردود الفعل في فرنسا على تقرير حكومي يحذر من خطورة النشاط الاجتماعي لجماعة الإخوان، وتأثيره على قيم الجمهورية.

وجاءت أصداء التقرير أكثر صخبًا في مدينة النهرين، ليون، إذ حذّر خبراء وساسة فرنسيون مما أسموه بالتمدد غير المرئي للجماعة في المدينة، واختراق نسيجها الاجتماعي، ما ينذر بآثار ثقافية تسمح بتكريس التشدد والعزلة.

واعتبر الخبراء أن ليون أصبحت إحدى أبرز بؤر توغل الإخوان في أوروبا الغربية.

وتحوّلت ليون إلى بؤرة نقاش متجدد حول الإسلام السياسي، بعد تقرير رسمي من 76 صفحة أصدرته وزارة الداخلية الفرنسية في مايو/أيار الماضي.

وكشف التقرير عن حضور واسع للجماعة في المدينة، لافتًا إلى أن نشاط الإخوان لا يقتصر على الجانب الديني، بل يمتد إلى النفوذ الاجتماعي والسياسي، وهو ما أثار مواقف قوية من خبراء في مراكز بحثية فرنسية، إلى جانب عالم الجريمة ألان باور، الذين حذروا معه من أن ليون قد تتحول إلى حصن استراتيجي للإخوان إذا لم تُواجه بخطة شاملة.

وقال الباحث السياسي الفرنسي المتخصص في الإسلام السياسي في المركز الوطني للبحث العلمي فرنسوا بورجا لـ”العين الإخبارية” إن تنظيم الإخوان لم يعد يكتفي بالعمل الدعوي أو إدارة الجمعيات الثقافية، بل تجاوز ذلك إلى إعادة تشكيل فضاءات اجتماعية وتعليمية تجعلها أشبه بـ”دولة موازية” داخل المدينة.

وأشار إلى أن الدولة الفرنسية، عبر تجاهل طويل أو إدارة مترددة، سمحت للجماعة بترسيخ جذورها عميقًا في المجتمع المحلي.

واعتبر أن الخطر لا يكمن فقط في الطابع الديني، بل في قدرة الإخوان على صياغة أجندة سياسية غير معلنة، مستغلين أدوات ناعمة مثل التعليم الأهلي، الجمعيات الخيرية، والروابط الطلابية، ما يحوّل ليون إلى مختبر حي للتجربة الإخوانية في أوروبا.

توغل صامت

كما حذّر بورجا من “نفوذ اجتماعي وسياسي متشابك، يتجاوز الطابع الديني إلى إعادة تشكيل البنية الثقافية والاجتماعية”.

وأوضح الباحث السياسي الفرنسي أن هذه المواقف تُظهر أن الجدل حول الإسلام السياسي في فرنسا لم يعد مقتصرًا على السجال النظري، بل دخل مرحلة جديدة تتسم بالاعتراف المؤسسي بالخطر. وفي مدينة ليون على وجه الخصوص، يتجسد هذا التحدي بشكل أوضح نظرًا لتركيبتها السكانية وتاريخها الثقافي.

وتابع: “الإخوان يستغلون المساحات الرمادية التي خلفها غياب سياسات اندماج فعالة، ليؤسسوا شبكة نفوذ صامتة، تتحول تدريجيًا إلى عامل ضغط على الدولة والمجتمع”.

وأشار إلى أنه منذ سنوات، تعيش فرنسا جدلًا متصاعدًا حول تمدد الإسلام السياسي، وخصوصًا نشاط جماعة الإخوان، غير أن مدينة ليون، ثالث أكبر المدن الفرنسية وعاصمة الجنوب الشرقي، باتت اليوم في صدارة المشهد.

ورأى الباحث السياسي المتخصص في الإسلام السياسي أن ما يحدث في ليون ليس مجرد نشاط ديني طبيعي، بل إعادة إنتاج لنهج “الدولة داخل الدولة” الذي يجيد الإخوان ممارسته منذ نشأتهم.

وأكد أن الجمعيات الثقافية والخيرية التابعة للجماعة تُدار كجزء من أجندة سياسية بعيدة المدى، تهدف إلى السيطرة على دوائر التأثير الاجتماعي (المدارس الخاصة، المساجد، الجمعيات الطلابية، المراكز الشبابية).

وأضاف أن ليون ليست مجرد مدينة أوروبية، بل هي نقطة التقاء حضاري واقتصادي، مشددًا على أن “هذا يجعلها هدفًا مثاليًا للإخوان، الذين يبحثون عن فضاءات حيوية لتمرير خطابهم الناعم، الذي يبدأ بالخدمات الاجتماعية وينتهي بخلق ولاءات سياسية موازية”.

ويحذّر الباحث من أن الدولة الفرنسية ما زالت تعاني من تأخر في تشخيص الظاهرة، حيث تتبع نمطًا متكررًا: أولًا الإنكار، ثم التقليل من شأن التهديد، وأخيرًا الاعتراف حين يصبح التمدد واقعًا يصعب احتواؤه. وبرأيه، فإن ليون تمثل اليوم النموذج الأكثر وضوحًا لهذا التأخر.

خطر “النفوذ غير المرئي”

من جهته، حذّر ستيفان لاكروا، أستاذ مشارك في العلوم السياسية في معهد العلوم السياسية في باريس، والباحث في مركز البحوث الدولية، في تصريحات لـ”العين الإخبارية” من أن خطر الإخوان في ليون لا يكمن في العنف المباشر، بل في “النفوذ غير المرئي”.

وقال لاكروا: “خلافًا للجماعات الإرهابية المتطرفة العنيفة، يملك الإخوان إستراتيجية أكثر ذكاءً. إنهم لا يصطدمون مع الدولة بشكل مباشر، بل يخترقون آلياتها الديمقراطية، من خلال التغلغل في المجتمع المدني، أو عبر النفوذ في المجالس البلدية والهيئات الاستشارية المحلية”.

وأشار لاكروا إلى أن الجماعة تسعى إلى صياغة هوية موازية للمسلمين الفرنسيين، تُقدَّم كبديل عن الهوية الجمهورية، الأمر الذي يشكّل تحديًا وجوديًا لفكرة الاندماج.

ولفت الباحث السياسي الفرنسي إلى أن مدينة ليون، بما تملكه من كثافة سكانية مسلمة وتاريخ طويل من الهجرة، أصبحت بيئة ملائمة لهذه الاستراتيجية.

ويرى الباحث أن التحدي الأكبر يكمن في أن هذا النفوذ قد ينتج في المستقبل نخبًا محلية متعاطفة مع مشروع الجماعة، وهو ما يفتح الباب أمام “تحويل القوة الاجتماعية إلى رصيد سياسي” يقوّض التوازن الجمهوري الفرنسي.

الجريمة المنظمة والنفوذ الاجتماعي

في هذا السياق، حذّر ألان باور، أستاذ علم الجريمة التطبيقي بالكونسرفاتوار الوطني للفنون والمهن، في تصريح لصحيفة “ليون كابيتال” الفرنسية من أن وجود الإخوان في ليون لا يمكن فصله عن أنماط للجريمة المنظمة، حتى وإن لم يكن ظاهرًا للعيان.

وأكد باور أن الإخوان “موجودون بالفعل بشكل واسع في مدينة ليون، كما هو الحال مع حركات أكثر عنفًا”، محذرًا من أن النفوذ الاجتماعي للجماعة يتقاطع مع أنماط للجريمة المنظمة بشكل غير مباشر.

ويستعرض باور المراحل الثلاث التي مرّت بها الدولة الفرنسية في التعامل مع الظاهرة: الإنكار، ثم التهوين، وأخيرًا الإقرار مع العجز. مضيفًا أن التقرير الحكومي، وإن كان متأخرًا، إلا أنه يمثل اعترافًا رسميًا بخطر التمدد الإخواني، الذي لم يعد مجرد نشاط ديني، بل بنية اجتماعية سياسية متكاملة.

ويستشهد باور بمقولة مؤسس الجماعة حسن البنا حول شمولية التنظيم: “الإسلام هو الدولة والمجتمع، العقيدة والجيش، الاقتصاد والسياسة”، ليؤكد أن الجماعة تبني نفوذها عبر مشروع شامل، يتجاوز البعد الروحي إلى الاقتصادي والأمني.

وقال باور: “الإخوان، مثل جماعات أخرى أشد عنفًا، موجودون بالفعل بشكل واسع في ليون. لا يتصرفون بالضرورة من خلال العنف المباشر، لكنهم ينسجون شبكات معقدة تتيح لهم التأثير في الاقتصاد الموازي، والفضاءات الاجتماعية الهشة”.

ويرى باور أن الخطر يكمن في الاستغلال المزدوج: فمن ناحية، تستغل الجماعة هشاشة بعض الفئات الاجتماعية في ليون لتأطيرها ضمن مشروعها، ومن ناحية أخرى، تبني شبكة نفوذ تجعل من الصعب على أجهزة الدولة تتبعها أو مواجهتها بالطرق التقليدية.

نحو مواجهة أشمل

تكشف آراء الخبراء والباحثين أن الإخوان في ليون يمثلون تحديًا متعدد الأبعاد: دينيًا، اجتماعيًا، سياسيًا وأمنيًا. فبينما يحذّر الباحثون من خطر “النفوذ الناعم” الذي يقوّض الهوية الجمهورية، يربط عالم الجريمة هذا النفوذ بآليات موازية للجريمة المنظمة.

ومع أن الدولة الفرنسية بدأت مؤخرًا الاعتراف بخطورة الظاهرة عبر تقارير رسمية، إلا أن التحدي الحقيقي يبقى في تطوير سياسات شاملة لا تكتفي بالرد الأمني، بل تشمل استراتيجيات اندماج أكثر فاعلية، وبدائل ثقافية واجتماعية للشباب المسلم في المدن الكبرى مثل ليون.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى