من«بوتسدام» لأوكرانيا.. مسار متغير لصانع السلام الأمريكي

على مدار أكثر من قرن، لم تشهد القارة الأوروبية أي معاهدة سلام من دون حضور أمريكي.
فمن معاهدة فرساي التي صاغها الرئيس وودرو ويلسون بعد الحرب العالمية الأولى، مرورا بمؤتمر بوتسدام عام 1945 حين وضع الرئيس هاري ترومان مع الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل أسس النظام الدولي لما بعد الحرب العالمية الثانية.
ووصولا إلى اتفاقية دايتون عام 1995 التي أوقف بها المبعوث الأمريكي ريتشارد هولبروك حروب البلقان—كان النفوذ الأمريكي حاضرا وحاسما.
واستحضارا لهذا الإرث التاريخي، وافق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على عقد لقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا، في محاولة للتوصل إلى نهاية لحرب أوكرانيا. فالولايات المتحدة ما زالت قوة أساسية داخل حلف الناتو، وموقفها يظل عنصرا حاسما في رسم مستقبل القارة الأوروبية.
وقبيل القمة، نسق ترامب مع قادة أوروبيين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لتحديد خمس “خطوط حمراء” رئيسية: وقف إطلاق النار كشرط مسبق للمفاوضات، مناقشة القضايا الإقليمية على أساس خطوط الجبهة الحالية، تقديم ضمانات أمنية ملزمة دون منح عضوية الناتو، مشاركة أوكرانيا في العملية التفاوضية، ودعم أمريكي-أوروبي مشترك لأي اتفاق يتم التوصل إليه.
في المقابل، ردت أوكرانيا والقوى الأوروبية على مقترح بوتين بوقف إطلاق النار بخطة مضادة تقوم على انسحابات إقليمية متبادلة وضمانات أمنية قوية، مع إبقاء خيار الناتو مطروحًا كوسيلة للحماية.
لكن مراقبين يرون أن الولايات المتحدة فقدت اليوم جزءا كبيرا من الالتزام السياسي والحضور العسكري اللذين ضمنا لها النجاح في إدارة النزاعات الأوروبية السابقة.
وأشار إلى أن هذا التراجع بات واضحا في ظل تعثر الجهود في أوكرانيا، حيث تراجعت قدرة واشنطن على التأثير، فيما يسعى الحلفاء الأوروبيون جاهدين لإيجاد حلول.
ومن ثم استبعدوا أن تضع القمة المرتقبة بين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين في ألاسكا حدا للحرب في أوكرانيا، بل قد تمنحها نفسا أطول، بسبب عقبتين أساسيتين، تتمثلان في عقلية روسيا المراوغة في التفاوض، ونزعة إدارة ترامب لتقليص الوجود العسكري الأمريكي في أوروبا.
الطريقة الروسية
منذ ضم القرم عام 2014، أثبت بوتين مهارته في استغلال المفاوضات لانتزاع مكاسب سياسية دون تقديم تنازلات جوهرية. فبعد احتلاله القرم وأجزاء من شرق أوكرانيا، عرض الانسحاب مقابل منح هذه المناطق حكما ذاتيا، في خطوة تهدف إلى إظهار مرونة شكلية تخفي وراءها استمرار الضغط العسكري الروسي.
هذا السجل من المناورة يفسر الشكوك المحيطة بقدرة قمة ألاسكا على تحقيق اختراق حقيقي. فالكرملين يتعمد الغموض بشأن مخرجات اللقاء، بينما يرفض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي التنازل عن أي شبر من أراضي بلاده.
القوة أولًا
في حقبتي ما بعد الحربين العالميتين، وكذلك في البلقان خلال التسعينيات، كان الحضور العسكري الأمريكي عنصرا أساسيا في فرض التسويات. فهولبروك، على سبيل المثال، استخدم قاعدة عسكرية أمريكية كرسالة قوة دفعت الأطراف المتحاربة للاستجابة.
أما اليوم، فواشنطن لم تدخل الحرب في أوكرانيا مباشرة، بل اكتفت بتزويد كييف بالأسلحة، مع إشارات واضحة إلى تقليص التزاماتها العسكرية.
وترى الصحيفة أن الدبلوماسية وحدها من دون دعم عسكري جاد وثقة سياسية، تجعل من الصعب على واشنطن لعب دور صانع السلام المؤثر، وأن إنهاء الحرب الأوكرانية قد لا يكون بيد الولايات المتحدة هذه المرة، بل بيد الأوروبيين والأوكرانيين أنفسهم، مع دور أمريكي أقرب إلى المساندة منه إلى القيادة.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز