مدينة برجيل الطبية بأبوظبي تُجري عملية زراعة كبد لأصغر طفل في الدولة عانى مرض خلقي نادر

في اليوم العالمي للتبرع بالأعضاء الذي يأتي في الـ 13 من أغسطس كل عام، تبرز قصة الطفل الإماراتي أحمد يحيى الياسي، الذي نجا من مرض وراثي نادر للغاية بفضل جزء الكبد الذي تبرعت به له زوجة عمه في جراحة ناجحة استمرت لـ 12 ساعة، لتُسلط الضوء على الأثر الكبير للتبرع بالأعضاء وقوة الدعم العائلي في مواجهة التحديات الصعبة في الحياة وإنقاذ الأرواح.
قبل عدة أشهر فقط، واجه الطفل الرضيع أحمد يحيى مستقبلًا غامضًا بعدما تم تشخيصه بمرض وراثي نادر أثّر على كبده والأنظمة الحيوية الأخرى في جسده، حينها عندما خضع لعملية زراعة كبد، لم يتجاوز وزنه 4.4 كيلوغرامًا وكان عمره أقل من خمسة أشهر فقط، ليكون أصغر طفل يشهد هذا الإجراء الناجح في دولة الإمارات، وقد تحقق هذا الإنجاز بفضل شجاعة أحد أفراد العائلة ومهارة الفريق متعدد التخصصات في مدينة برجيل الطبية.
كان مولد أحمد الطفل الخامس للعائلة و الولد الوحيد لأربعة أخوات بنات، مصدر فرح وأمل، خصوصًا بعد أن فقدوا ابنهم الأول عام 2010 بسبب مرض في الكبد، ولكن بعد الولادة بفترة قصيرة، أثارت أنزيمات الكبد المرتفعة قلق الأطباء، وعلى الرغم من توقعات استقرار الحالة الصحية تدهورت حالة أحمد سريعًا، وتم تشخيصه في مدينة برجيل الطبية بمرض خلقي نادر في “الجليكوزيل” مرتبط بجين ATP6AP1 ، وهو اضطراب وراثي نادر جدًا لا يتجاوز عدد حالته 25 حالة في العالم بحسب الدراسات والأبحاث العالمية.
وقال الدكتور جونز شاجي ماثيو، جراح زراعة الأعضاء في مدينة برجيل الطبية:
“هذا المرض متعدد الأوجة لكنه يؤثر بشدة على الكبد، كانت حالة أحمد تتدهور بسرعة في طريقها نحو الفشل الكبدي، لم تكن هناك إجابات واضحة بسبب ندرة المرض، لكن كان علينا التحرك لإنقاذ الطفل”.
وبينما كان الفريق الطبي يدرس تعقيدات إجراء الزراعة لطفل صغير بحالة صحية غير مستقرة، ونظرا لحالته الحرجة احتاج الطفل إلى عملية زرع كبد عاجلة، وبحثت الأسرة عن متبرع حي لتجنب أي تأخير لكن دون جدوى، حتى جاء الأمل من داخل الأسرة، حيث تبرعت زوجة عم الطفل كمتبرعة حية، وكانت مطابقة تمامًا ولائقة للتبرع له.
قال يحيى، والد الطفل:”لا أنسى ألم فقداننا ابننا الأول بسبب مرض الكبد، وعندما علمنا بحالة ابننا أحمد، شعرت أن القدر يلعب دوره، لكن الفريق الطبي أعادوا لنا الأمل، وعادت لنا الحياة بفضل زوجة أخي”.
وأضافت زوجة عم الطفل والتي تبرعت له بجزء من الكبد وهي ام لخمسة أطفال:” قرأت كل ما يمكنني عن التبرع، وأدركت أن التبرع بجزء من كبدي سينقذ حياة أحمد، وكان عليّ أن أفعل ذلك، أنه لأمر عظيم أن تساهم في إنقاذ حياة إنسان هو بحاجة إليك لأنك الوحيد القادر على مساعدته، هذا رباط بيننا لن ينقطع أبداً، وهو بمثابة ابنائي.”
إجراء معقد
أُجريت العملية في شهر أبريل 2025، وكانت واحدة من أكثر العمليات الجراحية تعقيدًا للأطفال في المنطقة، وقاد فريق الجراحة الدكتور غوراب سين والدكتور جونز ماثيو، حيث تم تحضير قطعة صغيرة من الكبد تناسب تجويف بطن الرضيع الضيق، وأدار فريق تخدير الأطفال بقيادة الدكتور رامامورثي العملية بدقة عالية، مع دعم مكثف في وحدة العناية المركزة للأطفال بقيادة الدكتور كيسافا راماكريشنان استشاري العناية المركزة للأطفال ورئيس الوحدة حيث مكث فيها أحمد لبضعة أيام بعد العملية ، وبالرغم المخاطر الكبيرة، نجحت العملية، وتمكن أحمد من التنفس بشكل طبيعي بعد فترة وجيزة، وبدأ في تناول الطعام خلال أيام، مع تحسن كبير في وظائف الكبد، وقد أشرف على متابعة الحالة فريق متعدد التخصصات يشمل أطباء العناية المركزة، وأطباء الجهاز الهضمي، وأخصائيي التغذية، وأخصائيي التأهيل.
قصة استثنائية
أوضح الدكتور غوراب، أن ما يميز هذه الحالة ليس فقط عمر ووزن الطفل، بل ندرته الجينية وقلة العمليات الناجحة عالميًا لمثل هذه الحالات، فيما كانت العملية دقيقة للغاية واستغرقت 12 ساعة متواصلة شملت جراحة المتبرع والمتلقي تم استخدام قطعة كبد من المتبرعة صغيرة للغاية، وتم تشكيلها بدقة لتتناسب مع تشريح الطفل وصغر حجمه وكل وعاء دموي أرق من عود ثقاب، وكان هامش الخطأ معدومًا تقريبًا، لم تتطلب الجراحة خبرة فنية فحسب بل تركيزًا مستمرًا، حيث الجراحون يعملون بقياسات دقيقة، بأجزاء من المليمتر، لافتاً إلى إنها ليست مجرد عملية جراحية، بل هي براعة فائقة في الميكرومليمتر تُجرى تحت ضغط شديد، حيث يتناغم كل فرد من الفريق بشكل مثالي للحفاظ على استقرار حالة الطفل طوال العملية.
وأضاف:” أحمد بات من بين الناجين القلائل حول العالم من هذا المرض النادر بفضل الزراعة التي تكللت بفضل الإيمان بالله والتنسيق الدقيق للأدوار بين الفريق الطبي وبالطبع تعاون العائلة منذ بداية الرحلة، مشيراً إلى أن أحمد ينمو بشكل جيد حالياً مع تحسن مستمر في وظائف الكبد ورصد دقيق لتطوره العصبي، ويتلقى دعمًا غذائيًا ومتابعة مناعية وإرشادًا عائليًا ضمن برنامج رعاية طويل الأمد”.
رسالة أمل
وبينما يحتفل العالم بيوم التبرع بالأعضاء، عبر والد أحمد عن عميق امتنانه قائلاً: “تعافي طفلي هو معجزة حقيقية، كنا نخاف أن نفقد طفلًا آخر، واليوم نحتفل بفرصة ثانية للحياة، أتمنى أن تلهم قصتنا الآخرين ليتقدموا ويتعرفوا أكثر على التبرع، فقد لا يعلم الإنسان من سيفقد حياته بسبب تأخر التبرع.”