الإمارات وروسيا.. تاريخ من التبادل الثقافي وصناعة جسور السلام
بدأ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، الخميس، زيارة رسمية إلى روسيا الاتحادية.
ويبحث الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال الزيارة مع فلاديمير بوتين رئيس روسيا الاتحادية، مختلف جوانب الشراكة الاستراتيجية التي تجمع البلدين وسبل تعزيزها خاصة في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والطاقة وغيرها من المجالات التي تخدم التنمية المشتركة، إضافة إلى عدد من القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك.
جذور ممتدة قبل التوثيق الرسمي
العلاقات الإماراتية الروسية ليست وليدة العصر الحديث، بل تمتد إلى ما قبل قيام دولة الإمارات عام 1971.
فمنذ قرون، جذبت صحراء الإمارات الرحالة والمستكشفين الروس الذين سعوا لاكتشاف معينها الحضاري العريق، في حين كان الإماراتيون ينظرون إلى روسيا باعتبارها إمبراطورية ذات تاريخ زاخر وثقافة ثرية تستحق التفاعل معها. هذه الخلفية التاريخية أسست لفضاء من الفضول الثقافي المتبادل، يسبق بكثير التمثيل الدبلوماسي الرسمي.
ثقافات تتلاقى عبر الفنون
وتتشابك الإمارات وروسيا في مسارات ثقافية متعددة تشمل الأدب والفن والموسيقى، والترجمة وصناعة المعارض. هذا التنوع يعكس إيمان البلدين بقيم التسامح وقبول الآخر، بما يتجاوز الفوارق العرقية والدينية والاجتماعية.
الإمارات، بحكم موقعها وتاريخها، حملت إرثًا حضاريًا منفتحًا، حيث التقت على أرضها أمم وثقافات عبر البر والبحر والصحراء في إطار من التبادل التجاري والتعاون الثقافي.
أما روسيا، فتقدم نموذجًا آخر لحضارة إنسانية عميقة، يتجلى في أعمال أدبية خالدة لتولستوي وتشيخوف ودوستويفسكي، وفي فنون النحت والرسم، ومتاحف القياصرة التي تحولت إلى سجلات نابضة بتاريخ البشرية، مثل متحف الأرميتاج.
معارض كتب وجسور فكرية
قبل أن تجتاح جائحة كوفيد-19 العالم، شهد عام 2019 محطة مفصلية في التبادل الثقافي بين البلدين. فقد كانت الشارقة ممثلة للإمارات في معرض الكتاب الروسي السنوي، لتعيد تقديم الإرث العربي إلى القارئ الروسي عبر أجنحة تزخر بالروايات والترجمات والمؤلفات الفكرية.
في المقابل، استضاف معرض أبوظبي الدولي للكتاب روسيا كضيف شرف، وجاءت المشاركة الروسية محملة بفعاليات موسيقية ومسرحية أغنت التجربة الثقافية وأعادت تعريف الجمهور الإماراتي بثراء الثقافة الروسية.
تجربة إماراتية تحتضن التنوع
لا يمكن اختزال العلاقات الثقافية الإماراتية الروسية في المعارض وحدها، فهناك جالية روسية كبيرة تعيش في الإمارات، تضم مسلمين ومسيحيين أرثوذكس. وقد شكل عام 2005 علامة فارقة حين تقرر بناء كنيسة للروس الأرثوذكس، حملت اسم كنيسة القديس فيليب، وتم تخصيص قطعة أرض لها عام 2007 بقرار من حاكم الشارقة. المثير أن بطريرك روسيا الحالي كيريل، الذي كان حينها أسقف كرسي سمولينسك وكالينغراد، هو من تابع عملية البناء.
هذه التجربة عززت لدى الروس إدراكًا عمليًا لقيمة التسامح الذي تتبناه الإمارات، حيث تتوافق الأفعال مع الأقوال، وأصبح للمقيمين الروس في الدولة نموذج ملموس لكرم الضيافة والانفتاح الثقافي.
صورة جديدة في الداخل الروسي
ترك هذا الفعل أثرًا عميقًا داخل روسيا نفسها، إذ ساعد على ترسيخ الصورة الإيجابية للإمارات في أذهان النخب وصانعي القرار والمفكرين الروس.
لم تعد دولة الإمارات تُعرف فقط بموقعها الاستراتيجي أو قوتها الاقتصادية، بل باتت نموذجًا لدولة تحمل رسالة تسامح وإنسانية، ما عزز النظرة الإيجابية بين الشعبين وعمّق الروابط الإنسانية إلى جانب العلاقات السياسية.
مراكز ثقافية تصنع جسور المعرفة
تنتشر في أبوظبي ودبي مراكز الثقافة الروسية، التي باتت منصات للتفاعل الإنساني والفكري.
من خلالها يتعرف الإماراتيون على اللغة والعادات الروسية، بينما يتعلم الروس العربية وآدابها، ما يسهل التواصل ويقوي الروابط بين الشعبين. هذه المراكز تفتح أيضًا الطريق أمام الطلاب الإماراتيين الراغبين في الدراسة بالجامعات الروسية، المعروفة بعراقتها في مختلف العلوم، سواء النظرية أو التطبيقية. منذ ستينيات القرن الماضي، أسهم خريجو الجامعات الروسية من الإمارات في مشاريع التنمية الوطنية، وهو ما يجعل التعليم أحد أعمدة العلاقة الثقافية بين البلدين.
سفراء الشباب ولغة الموسيقى
من أبرز البرامج التي عززت هذا التفاعل «برنامج سفراء الشباب»، الذي يتيح للشباب الإماراتي والروسي فرصًا للتعرف على ثقافة الآخر، وبناء جسور من الصداقة تقوم على الاحترام المتبادل.
وفي مطلع عام 2020، جاء مهرجان الموسيقى الروسية في أبوظبي ليمنح الموسيقى دورها في صياغة هذا الحوار الثقافي. أربعة عشر حفلاً موسيقيًا حملت إبداع كبار الموسيقيين الكلاسيكيين الروس، إلى جانب مواهب شابة، لتؤكد أن الفن لغة عالمية قادرة على جمع الشعوب في فضاء إنساني مشترك.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز
