زحف تركي ناعم في أفريقيا.. توسع اقتصادي وتجارة تتجاوز 36 مليار دولار (حوار)

قال الدكتور محمد جِم أوغولتورك، مدير مركز أفريقيا للتطبيقات والبحوث بجامعة إسطنبول آيدن، أن أنقرة ترى أفريقيا سوقا استراتيجيا، وتسعى لتوسع نفوذها عبر مشاريع تنموية.
وأوضح أوغولتورك في تصريحات خاصة لـ”العين الإخبارية” أن هناك عدة دوافع استراتيجية وراء تعزيز تركيا لعلاقاتها الاقتصادية مع أفريقيا في السنوات الأخيرة.
وقال مدير مركز أفريقيا للتطبيقات والبحوث بجامعة إسطنبول آيدن”: إن “تنويع الأسواق وتقليل الاعتماد على الغرب من العوامل المؤثرة في تطور هذه العلاقات، وتركيا ترى أفريقيا هدفا استراتيجيا في هذا السياق”.
شهدت العلاقات الاقتصادية بين تركيا والقارة الأفريقية خلال العشرين عاما الماضية تحولا تاريخيا، فقد ساهمت زيادة الاتصالات الدبلوماسية، والرحلات الجوية المباشرة، ومشاريع المقاولات، والاستثمارات في التعليم، في رفع حجم التبادل التجاري إلى 36.6 مليار دولار.
وأشار الدكتور أوغولتورك إلى أن تركيا تسعى لتعزيز قوتها الناعمة في القارة من خلال مشاريع إنسانية، وتعليمية، وبنى تحتية.
وقال: “صورة تركيا في أفريقيا تزداد إيجابية، وهي تسعى لتعزيز حضورها كفاعل عالمي. صحيح أن هناك تنافسا من قبل الصين وروسيا والدول الغربية، لكن تركيا تبني علاقاتها على أساس المصالح المتبادلة”.
وأضاف: “تتمتع أفريقيا بموارد طبيعية غنية، وهو ما يمثل دافعا إضافيا لتركيا، التي تحتاج إلى هذه المواد الخام والطاقة. وتسعى الشركات التركية للحصول على موطئ قدم في مشاريع البنية التحتية للوصول إلى هذه الموارد”.
كان حجم التجارة بين تركيا والدول الأفريقية في عام 2000 لا يتجاوز 1.4 مليار دولار فقط. ومع إعلان عام 2003 “عام أفريقيا”، أطلقت تركيا انطلاقتها الاستراتيجية نحو القارة، حيث أرست العلاقات مع دولها على أسس مؤسساتية.
وقد شكلت “استراتيجية تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية مع أفريقيا”، التي تم اعتمادها في عام 2003، نقطة تحول مهمة زادت من الاستثمارات والمساعدات التنموية والتعاون الدبلوماسي مع القارة.
بلغ عدد السفارات التركية في أفريقيا، الذي كان 12 فقط في عام 2002، نحو 44 سفارة بحلول عام 2024، كما ارتفع التمثيل الدبلوماسي الأفريقي في أنقرة من 10 إلى 38 سفارة. وقد ساعدت هذه التطورات في تعميق الروابط السياسية والاقتصادية.
وتحدث أوغولتورك عن التعاون في الصناعات الدفاعية، قائلا: “في مجال الصناعات الدفاعية، تعد تركيا شريكا جذابا لأفريقيا من حيث نقل السلاح والتكنولوجيا. وقد وقعت اتفاقيات بيع وتعاون مع دول مثل إثيوبيا ونيجيريا. كما أن للصومال أهمية خاصة”.
وأوضح أن هذه الدول تستخدم الطائرات المسيرة والمسلحة التركية، والتي تحدث تأثيرا في موازين القوى، خصوصا في المناطق الساحلية. وأشار إلى أن التكنولوجيا التركية تشكل بديلا للأنظمة الغربية، وأن تركيا تقدم تدريبات عسكرية ومناورات مشتركة.
وأشار إلى أن السوق الأفريقية تمثل فرصة مهمة للمستثمرين الأتراك، مضيفا: “هذه الشراكات تتطور عبر مشاريع بنية تحتية إضافية، وتلعب شركات البناء التركية دورا كبيرا هناك. إنها شراكات طويلة الأمد”.
وأكد أن عدم وجود ماض استعماري لتركيا يوفر لها ميزة مقارنة بالدول الغربية.
بحلول عام 2024، بلغ حجم التجارة بين تركيا وأفريقيا 36.6 مليار دولار. وكان هذا الرقم لا يتجاوز 4.3 مليار دولار في عام 2002. ويعكس هذا النمو، الذي يناهز 9 أضعاف خلال 20 عاما، مدى فاعلية الانفتاح التركي على القارة في المجال الاقتصادي.
وفقا لبيانات هيئة الإحصاء التركية (TÜİK) ومجلس المصدرين الأتراك (TİM)، فإن صادرات تركيا إلى الدول الأفريقية بلغت 19.42 مليار دولار في عام 2024، بزيادة قدرها 1.7%. وتمثل هذه الصادرات 7.4% من إجمالي صادرات تركيا. وكانت الدول الثلاث الأكثر استيرادا من تركيا: مصر (3.5 مليار دولار)، المغرب (3.1 مليار دولار)، وليبيا (2.5 مليار دولار).
أوغولتورك قال أيضا: “إذا نظرنا إلى انفتاح تركيا على أفريقيا ومنافستها مع الدول الغربية، نلاحظ أن فرنسا وبريطانيا، على وجه الخصوص، لا تزالان تمارسان تأثيرا اقتصاديا وسياسيا مستمدا من حقبة الاستعمار. كما أن الشروط التي تضعها الدول الغربية تقابل بردود فعل سلبية، في حين تستغل تركيا هذا الواقع كفرصة”.
تحتل المنتجات الصناعية والزراعية المراتب الأولى في توزيع صادرات تركيا إلى القارة الأفريقية. ولا يزال شمال أفريقيا السوق الرئيسي، فيما تنمو أفريقيا جنوب الصحراء بسرعة.
خلال الفترة من 2010 إلى 2019، كان 65% من تجارة تركيا مع أفريقيا متركزة في دول شمال القارة. وعلى الرغم من استمرار هذا الاتجاه في عام 2024، فإن التجارة مع دول أفريقيا جنوب الصحراء تشهد نموا أسرع بكثير. فقد ارتفع حجم التجارة مع تلك الدول بمقدار 11 ضعفا خلال العشرين عاما الأخيرة. وشهدت دول مثل غانا، نيجيريا، كينيا، السنغال، وإثيوبيا نموا ملحوظا في حجم التجارة مع تركيا.
وأضاف أوغولتورك: “تركيا تؤكد أنها قادرة على التعاون مع جميع الأطراف في أفريقيا. كما تولي أهمية للروابط الثقافية والتاريخية، وتنفذ مشاريعها دون كثير من العراقيل البيروقراطية”.
وأوضح: “ينظر إلى هذه المشاريع على أنها تنموية بالدرجة الأولى. كما أن الأسعار المناسبة التي تقدمها تركيا في مجالي الدفاع والنسيج تمثل ميزة واضحة. ويجري تنفيذ انفتاح تركيا على أفريقيا بالتوازي مع تنويع اقتصادي متزايد، وتعزيز نفوذها الدبلوماسي، وهو ما تلعب فيه الصناعات الدفاعية أيضا دورا مهما”.
بحلول عام 2024، نفذ المقاولون الأتراك 2031 مشروعا في أفريقيا، بقيمة إجمالية بلغت 97 مليار دولار. وارتفعت هذه القيمة من 70 مليار دولار في عام 2020، أي بزيادة تتجاوز 38% خلال 5 سنوات. وتبرز الشركات التركية خصوصا في مجالات البنية التحتية، والنقل، والطاقة، في دول مثل ليبيا، السودان، السنغال، نيجيريا، الغابون، تنزانيا، وإثيوبيا.
تسير الخطوط الجوية التركية رحلات مباشرة إلى 62 وجهة في 41 دولة أفريقية. ولا تقتصر هذه الرحلات على تعزيز التجارة فحسب، بل تدعم أيضا مجالات التعليم، والصحة، والسياحة. وأصبحت إسطنبول أكبر مركز ربط جوي للقارة الأفريقية مع أوروبا، وآسيا، وأمريكا. وبفضل شبكة الرحلات الجوية التركية في أفريقيا، يتمكن العديد من رجال الأعمال والمستثمرين الأفارقة من الوصول إلى قارات أوروبا وآسيا وأمريكا عبر تركيا. ومع تحول إسطنبول إلى مركز عبور دولي لأفريقيا، تلعب الخطوط الجوية التركية دورا محوريا في تكامل القارة اللوجستي. كما أن الوفود التجارية الأفريقية المشاركة في المعارض والفعاليات الاقتصادية تستفيد من هذا الامتداد.
في مطلع الألفية، كانت الخطوط الجوية التركية تسير رحلات إلى عدد محدود من وجهات أفريقيا مثل القاهرة، طرابلس، وجوهانسبرغ. أما اليوم، فتغطي 62 مدينة في 41 دولة أفريقية، مما يجعلها أوسع شبكة طيران أجنبية في القارة. ومن بين الخطوط الجديدة التي تم افتتاحها: بورت هاركورت (نيجيريا)، لواندا (أنغولا)، جوبا (جنوب السودان)، وكوناكري (غينيا).
بلغ عدد الطلاب الأفارقة الذين يدرسون في تركيا 62 ألفا حتى عام 2024. وقد حصل أكثر من 15 ألف طالب على منح دراسية كاملة ضمن برنامج “المنح التركية” خلال السنوات العشر الأخيرة. وتشرف مؤسسة المعارف التركية على أكثر من 230 مدرسة في 27 دولة. ومنذ عام 2005، نفذت وكالة “تيكا” أكثر من 1800 مشروع تنموي في أفريقيا. كما يواصل معهد “يونس إمره” تعليم اللغة التركية في 18 مركزا ثقافيا في 15 دولة أفريقية.
ارتفعت قيمة الاستثمارات التركية المباشرة في القارة من 67 مليون دولار في عام 2003 إلى أكثر من 10 مليارات دولار في عام 2024. وتركزت هذه الاستثمارات بشكل أساسي في مجالات الطاقة، والإنشاءات، والزراعة، والنسيج، والإنتاج.
أعلنت مفوضية الاتحاد الأفريقي تركيا “شريكا استراتيجيا” في عام 2008. وتم توقيع اتفاقيات اقتصادية وتجارية مع 49 دولة أفريقية، بالإضافة إلى اتفاقيات تعاون عسكري مع 35 دولة، وتعليمي مع 21 دولة، وصناعات دفاعية مع 29 دولة. كما أصبحت تركيا أول مساهم خارجي في مؤسسة التمويل الأفريقية.
تسعى تركيا بعد عام 2025 إلى رفع حجم التبادل التجاري مع أفريقيا إلى 50 مليار دولار. وتستند هذه الشراكة متعددة الأبعاد إلى أسس ثقافية، واقتصادية، ودبلوماسية، وعسكرية، بما يعزز قوة الطرفين على المستويين الإقليمي والدولي.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز