اسعار واسواق

مجتمعات بلح البحر في كاليفورنيا تزدهر بالتنوع البيولوجي


تُساعد مقارنة البيانات التاريخية في تتبع التغيرات الحاصلة في النظم البيئية، وهذا أساس الدراسة التي بين أيدينا.

تبدأ القصة عام 1941، وفي مشهد هادئ لطالبين في مقتبل حياتهما المهنية كباحثين في علم الحيوان، يدفعهم الفضول العلمي إلى إجراء مسح عند منطقة تجمع بلح البحر في شمال كاليفورنيا، والتي كانت تتمتع بتنوع بيولوجي وصحة جيدة. وبالفعل جمعوا بيانات ومعلومات بتفاصيل مذهلة وكتبوها في ورقة لم تُنشر؛ لاستدعاء أحدهما للقتال في الحرب العالمية الثانية. وظلت الورقة غير المنشورة لسنوات طويلة في مكتبة مختبر بوديغا لعلوم البحار التابع لجامعة كاليفورنيا، دافيس. ولم يعلم الباحثان الشابان ماذا حل بمنطقة مجتمعات بلح البحر بعد ذلك. وانشغلوا في إجراء أبحاث أخرى بعد انتهاء الحرب.

وظل التقرير محفوظًا في مكتبة كاديت هاند، وعثرت عليه مديرة محمية مختبر بوديجا “جاكي سونز”، وأخيرًا وصلت الورقة إلى أيدي علماء جامعة كاليفورنيا، دافيس، الذين وجدوا تلك الورقة بمثابة كنز ثمين. وقرروا إجراء إعادة مسح في نفس المنطقة، واستعانوا بالصور والمعلومات التي وفرتها الورقة البحثية القديمة. وقادت الدراسة الدكتورة “إيميلي لونجمان” (Emily Longman)، وهي عالمة أحياء بحرية وبيئة تطورية، وكانت تُجري الدراسة كطالبة دراسات عليا في جامعة كاليفورنيا، ديفيس، وحاليًا تعمل كزميلة ما بعد الدكتوراه في جامعة فيرمونت.

وصفت الدكتورة إيميلي لونجمان التقرير لـ“العين الإخبارية” في حوار حصري، قائلة: “عندما رأيت التقرير لأول مرة، أذهلني مستوى التفاصيل فيه! كان الطلاب دقيقين للغاية في مسحهم، وأرفقوا العديد من الخرائط والصور الرائعة التي سمحت لنا بتحديد نفس الصخرة التي أخذ الطلاب عينات منها”. ونشر الباحثون دراستهم في دورية “ساينتفيك ريبورتس” (Scientific Reports) في 14 يناير/كانون الثاني 2025.

لقاء

من حسن الحظ أنّ الدكتور “ميلتون هيلدبراند” (Milton Hildebrand)، وهو واحد من الشابين أصحاب الورقة القديمة غير المنشورة، كان على قيد الحياة. وتقول “إيميلي لونجمان” في حوارها مع العين الإخبارية: “كان لقاء ميلتون هيلدبراند أكبر مفاجأة في هذا المشروع! عند بدء المسح، لم نكن نعلم أن أحد الطلاب لا يزال على قيد الحياة”.

تتابع الدكتورة “لونجمان”، قائلة للعين الإخبارية: “بمجرد أن علمنا أنه على قيد الحياة ويعيش في ديفيس، كاليفورنيا، تواصلنا مع عائلته لمعرفة ما إذا كان بإمكاننا زيارته. لقد كان من دواعي سرورنا مقابلته! كان عمره يقارب 101 عامًا، وكان يتمتع بطاقة وحماس كبيرين. سُرّ بسماع أننا استخدمنا تقريره غير المنشور كأساس لمقارنة تاريخية”. وقد كان هيلدبراند قد تقاعد ويعيش في مدينة ديفيس القريبة

تُوفي الدكتور “ميلتون هيلدبراند” في عام 2020، بعد مقابلة بعض مؤلفي الدراسة منهم لونجمان في عام 2019، الذين أخبروه عن بنتائجهم، وبحسب الدكتورة “لونجمان”: “وقد أُعجب بنتائجنا، وسُرّ بسماع أن أحواض بلح البحر في شاطئ ديلون لا تزال تزدهر بالتنوع البيولوجي”.

مقارنة

أُجريت العديد من الأبحاث لدراسة مدى تأثر التنوع البيولوجي في جنوب كاليفورنيا مع التغيرات البيئية الحاصلة على مدار عقود، وقد اتضح من تلك الأبحاث أنّ هناك انخفاضًا حادًا في في التنوع البيولوجي هناك، وصل إلى 60%. لكن لم يكن واضحًا ما إذا كان شمال كاليفورنيا متأثر أيضًا أم لا، الأمر الذي دفع مؤلفو الدراسة للبحث في أحوال التنوع البيولوجي في شمال كاليفورنيا.

وفي هذا الصدد، أجرى الباحثون مسحًا بقيادة لونجمان لمجتمع أحواض بلح البحر في شمال كاليفورينا عام 2019، وهو نفس المكان الذي أخذ منه الباحثان عينات لأول مرة عام 1941. وتشرح الدكتورة إيميلي لونجمان لـ“العين الإخبارية” طريقة المسح، قائلة: “كررنا نهج المسح الذي أجراه الطلاب عام 1941، لنتمكن من إجراء مقارنة مباشرة مع مرور الوقت. تضمن ذلك إزالة جميع الكائنات الحية من جزء من قاع بلح البحر، أبعاده 2.5 قدم × 3 أقدام. ثم في المختبر، حددنا وأحصينا كل كائن حي يعيش في ذلك الجزء. ثم اتبعنا في تحليلاتنا مناهج متعددة لمعرفة كيف تغير مجتمع الكائنات الحية التي تعيش في قاع بلح البحر”. وبذلك، واستطاع الباحثون من خلال مسحهم توثيق نحو 90 نوعًا من 10 شعب.

مجتمع بلح البحر بخير

لاحظ الباحثون أنّ هناك تباينًا في التنوع البيولوجي عبر نطاقات مكانية صغيرة، إضافة إلى عدم وجود أي انخفاض في التنوع البيولوجي مثلما حدث في جنوب كاليفورنيا، وتُعلق الدكتورة إيميلي لونجمان قائلة لـ“العين الإخبارية”: “كان هذا مخالفًا لما توقعناه”. وتتابع: “ويُشير ذلك أيضًا إلى أنّ أحواض بلح البحر في هذا الموقع في شمال كاليفورنيا لا تزال تزدهر بالتنوع البيولوجي”.

مع ذلك، لاحظوا بعض التغيرات في تركيبة الأنواع؛ بسبب التغيرات المناخية؛ ففي الشمال، انخفضت الأنواع المتكيفة مع البرودة، وفي نفس الوقت، ازدادت وفرة الأنواع المتكيفة مع الدفء في الجنوب. لكن بصورة عامة، أشارت النتائج إلى أنّ صحة مجتمع بلح البحر بخير في شمال كاليفورنيا. وتقول الدكتورة إيميلي لونجمان لـ“العين الإخبارية”: “تتوافق هذه النتيجة مع ما يمكن توقعه بشأن تغير المناخ وارتفاع درجات حرارة المحيطات”.

كما أشاد مؤلفو الدراسة بدور البيانات القديمة التي ساهمت في تعزيز قدرتهم على تقييم الوضع البيئي في المنطقة. وترى لونجمان أنّ علم البيئة التاريخي مجال دراسي فريد من نوعه، لـ“العين الإخبارية”، قائلة: “في كثير من الحالات، لا تتوفر لدينا معلومات كافية حول كيفية تغير النظم البيئية الطبيعية على مدى العقود والقرون الماضية، مع أننا نعلم أن هذه النظم البيئية مهددة بشكل متزايد بتغير المناخ والتأثيرات البشرية الأخرى”. وتُضيف: “وفي العديد من الحالات، تشكل مجموعات البيانات غير التقليدية مثل التقارير غير المنشورة ومجموعات المتاحف والمعرفة الأصلية أفضل الأدلة المتاحة لحالة النظم البيئية الطبيعية في الماضي البعيد”.

وبذلك، تتجلى أهمية البيانات المؤرشفة التي تعمل كهدية يُرسلها الباحثون لزملائهم عبر الزمن من الماضي، لتساعدهم في فهم تطور الحياة وما آلت إليه الأمور؛ فوجود سجلات علمية تاريخية كهذه من شأنها أن تساهم في تقدم العلوم.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى