صور «مجاعة» غزة تعكر مزاج «العم سام».. وتربك دعم إسرائيل

حين تصبح صور الأطفال الجائعين أقوى من الخطاب السياسي، تبدأ التحولات في المزاج العام، وهذا ما تشهده الولايات المتحدة اليوم إزاء صور المجاعة في قطاع غزة.
ففي تقرير لها طالعته “العين الإخبارية” تحدثت شبكة “سي إن إن” عن تراجع في دعم الأمريكيين للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة بسرعة، مما دفع ديمقراطيين مؤيدين لإسرائيل وبعض حلفاء الرئيس دونالد ترامب القدامى إلى التحذير من أن تل أبيب قد تضر بمكانتها في الولايات المتحدة بشكل دائم.
وأظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة “غالوب” هذا الأسبوع، أن 32% فقط من البالغين في الولايات المتحدة يدعمون العمليات العسكرية الإسرائيلية — وهو أدنى مستوى منذ اندلاع الحرب ردا على هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
كما كشف الاستطلاع عن أعمق انقسام حزبي حتى الآن، حيث ظل الدعم بين الجمهوريين قويا عند 71%، لكنه تراجع إلى 8% فقط بين الديمقراطيين، و25% لدى المستقلين.
أما المؤشر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لمؤيدي إسرائيل، فهو أن الدعم بين الأميركيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاما — بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية — لم يتجاوز 9%.
هذا التحول في الرأي العام، تقول الشبكة الأمريكية، إن له تداعيات مباشرة على الحزبين. فبعض أعضاء حركة ترامب “اجعل أمريكا عظيمة مجددا” بدأوا بالتشكيك في استمرار الدعم الأمريكي لإسرائيل.
بينما التراجع الحاد بين الديمقراطيين يُتوقع أن يؤثر على الانتخابات التمهيدية للحزب في سباقات 2026 و2028.
ولفتت “سي إن إن”، إلى أن تراجع الدعم الأمريكي يندرج ضمن نمط عالمي آخذ في الاتساع. فقد أعلنت بريطانيا هذا الأسبوع أنها ستعترف بدولة فلسطينية في الأمم المتحدة إذا لم تتخذ إسرائيل خطوات جادة لإنهاء الأزمة الإنسانية في غزة، وذلك بعد قرار مماثل من فرنسا.
أيام بلا طعام في غزة
في غضون ذلك، تحذر وكالات الأمم المتحدة من أن “الوقت ينفد لتقديم استجابة إنسانية شاملة” في قطاع غزة المحاصر.
ووفقا لبيان صادر عن برنامج الأغذية العالمي، يوم الأربعاء، فإن أكثر من ثلث السكان (39%) يقضون أياما دون طعام، فيما يعيش أكثر من 500 ألف شخص — أي ما يعادل ربع السكان تقريبا — في “ظروف شبيهة بالمجاعة”.
وصرح النائب الأمريكي براد شيرمان، وهو ديمقراطي من كاليفورنيا ورئيس مشارك في تجمع حلفاء إسرائيل في الكونغرس، لـ”سي إن إن”، بأن “إسرائيل تخسر معركة كسب الرأي العام العالمي”.
وأضاف أن الجيش الإسرائيلي يواجه تحديات خطيرة في غزة، حيث تُبدي حماس استعدادها لتكبد خسائر فادحة في صفوف المدنيين “لتقويض مكانة إسرائيل في العالم”، لكنه قال إن أهدافها “يجب أن تُوازن فيما بينها”.
وقال شيرمان: “على إسرائيل أن تحدد أهدافها العسكرية، وما هي الخسائر التي تبديها لتدرك أن أمنها القومي يشمل صورتها العالمية. لا يمكنك الحصول على كل ما تريد، وصورتك العالمية مهمة”.
انقسامات داخل الجمهوريين
ظهرت الخلافات داخل الحزب الجمهوري حول تصرفات تل أبيب للعلن بعد أن شكك ترامب يوم الإثنين في تأكيد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في نهاية الأسبوع بأنه “لا يوجد مجاعة في غزة”.
ورد ترامب قائلا: “هذا جوع حقيقي… أراه، ولا يمكنك تزييف ذلك. لذا، سنصبح أكثر انخراطا”.
ويبدو أن النائبة عن ولاية جورجيا، مارجوري تايلور غرين، الشخصية البارزة في حركة ترامب “لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”، أصبحت أول جمهورية في الكونغرس تصف الأزمة في غزة بـ”الإبادة الجماعية” من خلال منشور على مواقع التواصل الاجتماعي مساء الإثنين.
وكتبت غرين: “من أصدق وأسهل ما يكون القول إن أحداث 7 أكتوبر في إسرائيل كانت مروعة ويجب إعادة جميع الرهائن، ولكن كذلك ما يحدث في غزة من إبادة جماعية وأزمة إنسانية ومجاعة”.
وجاء تعليقها ضمن انتقاد أوسع للنائب الجمهوري راندي فاين، الداعم القوي لإسرائيل، والذي رد بدوره عبر “سي إن إن”، قائلا: “من يزعم أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية، فهو إما معاد للسامية أو أحمق أو كلاهما”.
وأضاف فاين: “لو أرادت إسرائيل ارتكاب إبادة جماعية، لفعلت ذلك منذ 18 شهرا، وانتهى الأمر خلال يومين. إسرائيل قادرة على قتل الجميع في غزة، لكنها لم تفعل. المئات من جنودها قُتلوا لتقليل خسائر المدنيين”.
وفي حين لا يزال العديد من الجمهوريين يتفقون مع فاين، لفت ستيف بانون، كبير الاستراتيجيين السابق لترامب، يوم الثلاثاء، في بودكاسته بأن “دعم إسرائيل ضئيل للغاية” داخل حركة ترامب “لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” بين من هم دون سن الثلاثين.
ووفق بانون، فإنه “حتى أولئك الذين ما زالوا يدعمون إسرائيل يسألون أنفسهم: ما الذي يحدث بحق الجحيم؟”.
“تغيير جذري في عقلية الديمقراطيين”
على الجانب الديمقراطي، أصبح الموقف من إسرائيل عبئا سياسيا ثقيلا خلال عام 2024 على كل من الرئيس السابق جو بايدن، ونائبته كامالا هاريس بعد حلولها محله في السباق، خاصة في ولاية ميشيغان المتأرجحة وذات الجالية العربية الكبيرة.
ومن المقرر أن تشهد هذه الولاية سباقا انتخابيا حاسما لمجلس الشيوخ في 2026، ومن المرجح أن تُطرح مسألة الدعم لإسرائيل بقوة في الانتخابات التمهيدية الرئاسية عام 2028.
النائبة التقدمية سمر لي من ولاية بنسلفانيا — التي كانت واحدة من ستة أعضاء في الكونغرس دعموا تعديلا تقدمت به غرين لوقف تمويل قيمته 500 مليون دولار لنظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي — قالت في بيان: “على الولايات المتحدة أن تطالب بوقف دائم لإطلاق النار، وأن توقف تمويل وتسليح القنابل، وأن تسمح بإدخال مساعدات إنسانية غير مشروطة إلى غزة فورا. هذا هو القرار الصحيح سياسيا وأخلاقيا.”
كما ازدادت حدة الانتقادات من شخصيات ليبرالية بارزة في الإعلام الأمريكي، ما يشير إلى تحول طويل الأمد في موقف الحزب الديمقراطي.
في هذا السياق، قال مقدم بودكاست “بود سايف أمريكا”، تومي فيتور — وهو مستشار سابق في مجلس الأمن القومي في إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما — إن على مرشحي الحزب التوقف عن دعم المساعدات العسكرية لإسرائيل.
وأضاف: “يجب أن يحدث تغيير جذري في طريقة التفكير داخل الحزب الديمقراطي. عندما تنتهي الحرب، لن نعود إلى ما قبل 7 أكتوبر. هذا ليس موقف الحزب بعد الآن، ولا موقف العالم”.
أما إريك فينغيرهات، الرئيس التنفيذي للاتحاد اليهودي لأمريكا الشمالية وعضو الكونغرس الديمقراطي السابق، فاعتبر أن نتائج استطلاع “غالوب” تعكس “تغطية إعلامية سلبية بشكل ساحق للحرب”.
وختم قائلا: “نعيش لحظة من الاستقطاب الحزبي العميق في الولايات المتحدة، وهذا يؤثر بوضوح على كيفية تفاعل الناس مع الوضع في إسرائيل والحرب في غزة.”
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز